فصل: [في مبادئ أصول الفقه]
  فقوله: وإلاَّ لم يجب العمل به، غير النزاع، وإن بنى ذلك على أن كل ما هو مظنون للمجتهد فهو حكم الله قطعاً، كما هو رأي البعض يكون وجوبُ العمل ضائعاً لا معنى له أصلاً، انتهى، هذا حده مضافاً.
  (وأمَّا حدَّه) حال كون لفظه (لقباً) أي علماً، واللقب علم يشعر بمدح أو ذم، وأصول الفقه عَلَمٌ لهذا العلم، يشعر بابتناء الفقه في الدين عليه، وهو صفة مدح.
  قال الإمام الحسن: وكان الأولى تقديمه على الحد الإضافي؛ لأنَّه المقصود الأصلي. انتهى.
  وقد يجاب: بأنَّه قُدِّم الحد الإضافي، لأن الأصل في المضاف والمضاف إليه أن يتناول كلَّ واحدٍ منهما على حياله، وتناولهما مسمى واحداً عند التسمية فرع على ذلك، والأصل مقدم على الفرع، والله أعلم.
  فاعلم: أنه قد اختلفت عبارات الأصوليين في حد أصول الفقه، والصحيح قول السيد فقوله:
  (القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية):
  فالقواعد: هي جمع قاعدة، وهي حكم كلي ينطبق على جزئياته لتُتعرف أحكامها منه، كقولنا: كل حكم دل على القياس فهو ثابت، واللام فيها للاستغراق على ما هو معنى الكلي.
  وبها خرج الجزئيات، وكذلك بعض تلك القواعد الكلية؛ لأنه جزء من الكلي، والتوصل القريب مستفاد من الباء السببيَّة الظاهرة في السبب القريب، ومن إطلاق التوصل إلى الفقه، إذ في البعيد يتوصَّل إلى الواسطة، ومنها إلى الفقه، فيخرج العلم بقواعد العربية والكلام؛ لأنَّهما من مبادئ أصول الفقه، والتوصل بهما إلى الفقه ليس بقريب؛ إذ يتوصل بقواعد العربية إلى معرفة كيفيَّة دلالة الألفاظ على مدلولاتها الوضعيَّة، وبواسطة ذلك يقتدر على استنباط الأحكام من الكتاب والسنَّة، وكذا يتوصل بقواعد الكلام إلى ثبوت الكتاب والسنَّة ووجوب صدقهما ليتوصل بذلك إلى الفقه، هكذا ذكره سعد الدين في شرح التنقيح.
  والتحقيق في هذا المقام: أنَّ الإنسان لم يخلق عبثاً، ولم يترك سداً، بل يتعلق بكلٍ من أعماله حكمٌ من قبل الشارع منوطٌ بدليل يخصه ليستنبط منه عند الحاجة، ويُقاس على ذلك الحكم ما يناسبه لتعذر الإحاطة بجميع الجزئيات، فحصلت قضايا موضوعاتها أفعال المكلفين، ومحمولاتها أحكام الشرع على تفصيل فسميت فقهاً، ثُمَّ نظروا في تفاصيل الأدلّة والأحكام وعمومِها، فوجدوا الأدلة راجعة إلى