الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  [٣] (وإن علم تأخر العام) عن الخاص (فإن تأخر بمدة لا يمكن العمل فيها بالخاص فيخصص على المختار) إذ تقدم الخاص قرينة دالة على أنه لم يرد بالعام جميع مدلوله، وإنما أراد مالم يتناوله الخاص، وقوله على المختار إشارة إلى خلاف الأشاعرة، فإنهم يقولون: إنه يكون منسوخاً لجواز النسخ قبل الفعل، وسنبطله إنشاء الله تعالى، مع أن قولنا وجه أرجحية وهو الجمع بين الدليلين، هذا مع عدم الإمكان، (و) أما (إن تأخر عنده بمدة يمكن العمل) بالخاص (فناسخ للخاص عند جمهور أئمتنا والحنفية والقاضي) عبد الجبار (والباقلاني والجويني و)، هو (مخصص بالخاص عند بعض علمائنا) كمحمد بن إبراهيم وسليمان بن ناصر وعبد الله بن زيد (والشافعي وأبي الحسين والرازي وبعض الظاهرية).
  وقال (ابن القاص) بل العموم والخصوص (يتعارضان فيما يتناوله الخاص) من أفراد العموم (كالنصين) المتعارضين، (فيجب ما تقدم) في المتقاربين وهو الترجيح أو الرجوع إلى دليل آخر إن أمكنا، وإلا فالوقف.
  والحجَّة لنا: أن ابن عباس ¥ قال: (كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث)، وهو ظاهر في أخذ الجماعة بذلك فكان إجماعاً، والعام المتأخر أحدث فوجب الأخذ به ويترك الخاص المتقدم به وهو المطلوب.
  قال الشافعي: لو لم يخص العام متأخراً بل أبطلنا به الخاص كنا قد أبطلنا القاطع بالمظنون وهو لا يبطل به قطعاً.
  قلنا: إذا قال: أقتل زيداً، ثُمَّ قال: لا تقتلوا المشركين فهما بمثابة لا تقتل زيداً ولا عمرواً؛ إلى أن يأتي على الإفراد واحداً واحداً، وهو إختصار لذلك المطول وإجمال لذلك المفصل، ولا شك أنه لو قال: لا تقتل زيداً لكان ناسخاً لقوله: اقتل زيد، فكذا ما هو بمثابته.
  احتج ابن القاص على التوقف: بأن هذين الخطابين كل منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه آخر؛ لأنه إذا قال: لا تقتلوا اليهود، ثُمَّ قال بعد: اقتلوا المشركين، فقوله: لا تقتلوا اليهود أخص من قوله: اقتلوا المشركين من حيث أن اليهود أخص من المشركين، وأعم منه من حيث أنه دخل في المتقدم من الأوقات ما لا يدخل في المتأخر وهو ما بين ورود المتقدم والمتأخر، فظهر أن الخاص المتقدم أعم في الأزمان وأخص في الأعيان، والعام المتأخر بالعكس، فكل واحد منها أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجهٍ آخر، وإذا ثبت ذلك وجب الوقف والرجوع إلى الترجيح، كما في كل خطابين هذا شأنهما.