الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  قلنا: ما تمسكت به ضعيف؛ لأنه فرض الخاص المتقدم نهياً، فلا جرم عم الأزمان، وفرض العام المتأخر أمراً فلا جرم لم يعم الأزمان، فصح ما ادعاه من كون الخاص أعم من العام من هذا الوجه، أمَّا لو فرضنا الخاص المتقدم أمراً والعام المتأخر نهياً فإنه لا يستقيم كلامه؛ لأن الخاص المتقدم لا شك أنه خاص في الأعيان وهو أيضاً خاص في الأزمان؛ لأن الأمر لا يفيد التكرار، وأمَّا العام المتأخر فإذا فرضناه نهياً كان أعم من المتقدم في الأعيان في الاتفاق وفي الأزمان أيضاً؛ لان الأمر لا يتناول كل الأزمان بل إنما يتناول زماناً واحداً، فهاهنا المتأخر أعم من المتقدم من كل الوجوه، فبطل ما قاله والله أعلم.
  [٤] (وإن جهل التاريخ بينهما) أي بين العام والخاص (فهو مخصص للعام عند بعض علمائنا) وهو الإمام والفقيه سليمان والشيخ وأبو طالب (والشافعي، وحكى ابن زيد وأبو الحسين الإجماع على ذلك) لأن أهل الأقطار في هذه الأعصار صاروا يعملون بالخاص وهو مجهول التاريخ.
  قلنا: لا نسلم أنهم يعملون به مع الجهل فهلم الدليل.
  (وعند جمهور أئمتنا والحنفية والقاضي) عبد الجبار (والباقلاني يتفاوضان فيما تناوله الخاص فيجب ما تقدم) مما ذكره ابن القاض، ومن وجوه الترجيح التي أسلفناها.
  لنا: أنه يحتمل بطلان حكم الخاص لتأخر علة العام وثبوت حكمه لتقدمه، فتوقف في مورد الخاص ويطلب فيه دليل.
  قالوا: في بنائه على الخاص عند الجهل عدم إهمال كلام الحكيم؛ إذ مع العمل بالخاص يعمل ببعض العام.
  وأيضاً فإن دلالة الخاص قطعية ودلالة العام ظنية لجواز أن يراد ما عدا الخاص فيكون الخاص راجحاً، فيعمل به، وأيضاً فإنه حينئذ يجوز المقارنة وتأخر الخاص وتقدمه في الأوَّلين يعمل بالخاص اتفاقاً، فضعف النظر إلى الوجه الثالث وإن نظر إليه دفعة ما تقدم من الدليلين.
  قلنا: العموم متناول للخصوص كتناول الخاص له، فهو كتعارض العمومين أو الخصوصين، فكما أنهما يطرحان حينئذ عند جهل التاريخ ولا مرجح، ويعمل بما علم تأخره من ذلك، كذلك هاهنا، وقد يمنع تساوي المتناولين وانتفاء المرجح.
  (وأما تعارض العام، و) تعارض (الخاص فسيأتي) بيانه في باب التعارض والترجيح بعون الله ومشيئته.