فصل: [المطلق المشبه لمقيدين على أيهما يحمل؟]
  وحصر الكلام أن يقال: المطلق المشبه لمقيدين لا يخلو:
  إمَّا أن يكون المقيدان من جنس المطلق، أو أحدهما، أو لا.
  إن لم، فلا تقييد.
  وإن كان أحدهما من جنسه دون الآخر قيد بحكم جنسه، وإن كان من جنسه وأحدهما من نوع المطلق قيد به.
  وإن كان الجمع من نوع واحد أو من جنس لا نوع، فإن كان التقييد غير متنافٍ قيد بهما.
  وإن تنافيا، فإن كان الشبه به أكثر قيد به كما ذكره، وإن استوى فسنذكره إنشاء الله تعالى.
  هذا، وأمَّا من يزعم من أصحاب الشافعي أن المطلق يجب حمله على المقيد من جهة اللفظ بترك المقيد هنا على إطلاقه لا محالة؛ إذ ليس أحد قيديه أولى من الآخر، فلما تصادما - لا جرم - وجب اطراحهما، وأخر المطلق على ظاهره.
  وأمَّا من حكم ببطلان حكم المقيد كما حكيناه عن أصحاب أبي حنيفة، فحكمه عليه بالبطلان هاهنا أحق لما ذكرناه من تصادم القيدين وتنافيهما، فإذا حكم ببطلانه مع إمكانه فحكمه مع ما فيه من الفساد أولى وأحق وذلك، (كإطلاق قضاء رمضان) في قوله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤]، (وتقييد صوم الظهار بالتتابع) في قوله تعالى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}[النساء: ٩٢]، (و) تقييد (صوم التمتع بالتفريق) في قوله تعالى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة: ١٩٦]، (فإن تساويا فالوقف) فيهما لعدم الأرجحيَّة على الآخر.
  (وقيل): وصاحب القيل الإمام، ذكر في الحاوي أنه (مخير).
  (و) أعلم أن (المطلق الواقع بعد المقيد مقيد إن كان بينهما) أي بين المقيد المتقدم والمطلق المتأخر (تعلق بضمير) مثل قولنا: أعتق مملوكاً، أعتق مؤمناً أخاً له، أو نحوه كالعطف في نحو قوله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}[الأحزاب: ٣٥]، فما هذا حاله يجب التقييد فيه إن لم تصد قرينة أو يمنع منه مانع.
  (وكذا المطلق المتأخر في الأمر بعد المقيد المتقدم في النهي نحو: أعتق رقبة، بعد: لا تملك رقبة كافرة) فما هذا حاله فإن المطلق فيه يكون مقيداً لأن نفي تمليك الكافرة يستلزم نفي إعتاقها عنه، وهذا أعني تقييد إيجاب الإعتاق عنه بالمؤمنة حمل المطلق على المقيد.