الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في مبادئ أصول الفقه]

صفحة 59 - الجزء 1

  الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس، والأحكام راجعة إلى الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة، وتأمَّلوا في كيفيَّة الإستدلال بتلك الأدلَّة على تلك الأحكام إجمالاً من غير نظر إلى تفاصيلها إلا على طريق ضرب المثال، فحصل لهم قضايا كليةٍ متعلقةً بكيفيَّة الإستدلال بتلك الأدلَّة على الأحكام إجمالاً، وبيان طرقه وشرائطه يتوصَّل بكل من تلك القضايا إلى استنباط كثير من تلك الأحكام الجزئية عن أدلَّتها التفصيليَّة، وضبطوها ودونوها وأضافوا إليها من اللواحق والمتممات وبيان الاختلافات ما يليق بها، وسموها أصول الفقه، فصار عبارة عن القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام.

  ووصفت القواعد بالتي مع أنّها مفردة؛ لأنه قد يُخبر بالمفرد عن الجمع كقوله تعالى {الْقُرَى الَّتِي}.

  وقوله: (استنباط الأحكام) إلى آخر ما تقدم ذكره في الحد الإضافي، والاستنباط الاستخراج.

  وقوله: (عن أدلتها التفصيلية): متعلق بالاستنباط، ولا يستقيم تعلقه بالفرعيَّة لإفساد المعنَى؛ إذ يصير معناه الفرعية عن أدلتِّها التفصيلية، فيلزم أن تكون تلك الأدلَّة أصولاً.

  واعترض على الحد بقواعد المنطق؛ إذ لا يتوصل إلاَّ بها فيكون جزءاً من الأصول.

  وأجيب: أن وصف القواعد بالتي يتوصل، يشعر بمزيد اختصاص لها بالأحكام المخصوصَة.

  واعلم أن بعض الأصوليين جعلوا الفقه عبارة عن القواعد المذكورة، وبنا عليه السيد |، وطائفة جعلته العلم بها أو الظن وإليه أشار بقوله:

  (وقيل: العلم بها أو الظن) وهذا القول يفهم من كلام شارحي المختصر، ولم أطلع على التصريح به لأحد من العلماء، وفوق كل ذي علم عليم.

  واختار السيدُ الأولَ لوجوه:

  الأول: أنَّ أصولَ الفقه ثابت في نفس الأمر من تلك القواعد وإن لم يعرفه الشخص.

  الثاني: أن أهل العرف يجعلون أصول الفقه للمعلوم فيقولون هذا كتاب في أصولِ الفِقه.

  الثالث: أن الأصول في اللُّغة الأدلة، والقواعد أدلة للفقه أو تنبني عليه، ففي جعله في الاصطلاح الأدلةَ قرب إلى المدلول اللغوي، ولهذا الوجه الآخر جعل المؤلف الفقه العلم لا المعلوم.

  قال الشيخ لطف الله: والأمر في ذلك سهل، قال: قال المحقق الشريف: أسماء العلوم المدونة كالمنطق والنحو والفقه وغيرها تطلق تارة على المعلومَات المخصوصة، فيقال مثلاً: فلان يعلم النحو أي يعلم تلك المعلومَات المعنيَّة، وأخرى على العلم بالمعلومات المخصوصة وهو ظاهر.