الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل
  (و) قد يكون الإجمال في اللفظ (بالواو المترددة بين العطف والاستئناف) كقوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}[آل عمران: ٧]، فإن الواو تردد بين العطف والابتداء، وحمله أئمتنا على العطف لما قام عندهم دليله.
  (و) قد يكون الإجمال في اللفظ (بورود جملة عقيب جملتين متنافيتين) فيحمل أن ترجع تلك الجملة إلى الأولى أو إلى الثانية.
  ومثال ذلك: قوله تعالى {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ}[هود: ٤٠]، فإن الجملة المتأخرة وهي {وَمَنْ آمَنَ} يحتمل أن تعود إلى الجملة الأولى وهي المستثنى منها، وأن تعود إلى الجملة الثانية، ولا يصح أن تعود إليهما معاً.
  ومن أمثلة ذلك: قولهم: الشيعي من قطع بخطأ من تقدم الوصي، وتفسيق من قاتله، ومن توقف عن القتال معه.
  وقد يكون الإجمال (بتعدد المجازات المتساوية) أي التي ليس أحدها أولى (بعد منع) حمل اللفظ على (الحقيقة، كبقرة لمعينة) في الخارج، فإنها مجاز، فإن النكرة قد خرجت عن مستعملها، لأن حقيقة المتواطئ عدم التعيين، فإذا عين صار مجازاً متعدداً، والمعاني التي يمكن حمل هذا اللفظ عليها كثيرة، وهي متساوية في استعمال هذا اللفظ فيها، فكانت مجملة من حيث عدم التعيين لمدلول هذا اللفظ لا يشعر به، فأما لو لم يرد به معين نحو: اضرب رجلاً، غير معين، فإنه فلا يكون مجملاً بل يكون ممتثلاً بأي ضرب أوقع على أي رجل، ومن هذا قوله ÷ «لأعطين الراية غذاً رجلاً» ... الخبر، أما لو كانت غير متساوية بأن يكون أحدهما أولى تعين الحمل عليه، كما تقف عليه إن شاء الله تعالى.
  (و) المجمل (هو واقع في الكتاب) كقوله تعالى {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[الأنعام: ٧٢]، وكقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: من الآية ٣٨]، فإن ما ذكر يتطرق إليه الإجمال، وبيانها موكول إلى لسان الرسول ÷ وفعله، (خلافاً للحشوية) فزعموا أنه ليس بواقع فيه، ونسب صاحب الجمع الخلاف لداوود الظاهري، خلا أنه حكى عنه الخلاف في الكتاب والسنة. وهو أيضاً (واقع في السنة) كقوله ÷ «لا يمنع أحدكم جاره» الخبر المتقدم، وكما في قوله ÷ «لأعطين الراية غداً رجلاً»، (خلافاً لشذوذ) من الناس فإنهم منعوا من ذلك.