الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في صور أخرجت من المجمل وهي منه]

صفحة 546 - الجزء 1

  نعم، قال المنصور بالله: وأما تعلقهم بذلك في أن الكافرة لا يصح عتقها فبعيد؛ لأن الإنفاق ليس من العتق في شيء لا لغة ولا شرعاً؛ لأنه إذا قيل: أنفق فلان شيئاً من ماله لم يعقل منه العتق، قال: ولأنه سبحانه قال {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}⁣[البقرة: ٢٦٧]، فكشف الغرض في هذه الآية، وأن ذلك في مقابلة الأخذ وليس العتق من ذلك، ومما يوضح أن الآية لا تتناول العتق أن اسم الإنفاق إنما يستعمل في الهبات والصدقات، ويستدعي معطي وعطية ومعطى، والعتق العطية فيه نفس المُعْطَى.

  وأيضاً قال تعالى في آخر الآية {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} وقد قرأ بفتح الغين والميم، ومعنى ذلك أنه لا يؤخذ في مقابلة غيره إلا بوضيعةٍ ونقصٍ لا كغير الخبيث، وهذا يقتضي أن الآية واردة في جميع الأشياء العوضية، والعتق في الكفارة ليس من ذلك.

  ويمكن دفع هذا الوجه بأن يقال: المراد بها أن لا نأخذها حيث نعاوض إلاَّ بإغماضٍ ونقصٍ، فلا يصح عتقهما لنقصها، وعرفان بعضها حيث نعاوض بها، وإن كانت في العتق ليست عن عوضٍ.

  (ومنها) أي من الصور التي أخرجت من المجمل وهي منه (قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}) فعندنا أن هذه الآية مجملة (لتردد القطع بين الإبانة) لليد، وبين (الشق) أي الجرح من غير إبانة، لأن القطع يطلق عليهما، يقال لمن جرح يده بالسكين: قطع يده، دليله قوله تعالى {قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}⁣[يوسف: ٥٠]، بأنه قطع يده، دليله قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فجاء الإجمال في قوله {فَاقْطَعُوا}، (و) لتردد (اليد بين كونها من أصول الأصابع أو) كونها (من الكوع أو من المرفق أو المنكب) لأن اليد تطلق على كل منهما، فجاء الإجمال.

  (وقيل) وهو للجمهور (ليس) قوله تعالى {وَالسَّارِقُ ...} الخ (بمجمل) ولا نسلم التردد المذكور (لأن القطع الإبانة) للشيء عما كان متصلاً به حقيقة، فهو ظاهر فيه، فلا إجمال، (واليد) لجملة العضو (إلى المنكب) حقيقة لقطعنا بصحة بعض اليد على ما دونه، فكان ظاهراً فيه، فلا إجمال.

  والحق في هذه المسألة: قول الأكثر (واختاره ابن الحاجب) في المنتهي وأبو الحسين والرازي في المعتمد والمحصول وصاحب الجمع وغيرهما من العلماء.

  وأجابوا عن دليل الأولين: بأنه لا يلزم من مجرد الإطلاق الإجمال إنما يلزم ذلك إذا لم يكن ظاهراً في أحدهما، وأمَّا مع الظهور فلا، وقد بينا أن اليد ظاهرة في العضو من المنكب والقطع في الإبانة.