الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل

صفحة 549 - الجزء 1

  (أو نفي الفائدة في عرف اللغة إن لم يثبت فيه ذلك) أي عرف الشرع وهو أن مثله يقصد منه نفي الفائدة والجدوى نحو: لا علم إلاَّ ما نفع، ولا كلام إلاَّ ما أفاد، ولا طاعة إلا لله، فيتعين فلا إجمال، وإن قدر انتفاء العرفين، فالأولى حمله على نفي الأجزاء دون الكمال؛ لأن ما لا يصح كالعدم في عدم الجدوى بخلاف ما لا يكمل، فكان أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة، فكان ظاهراً فيه فلا إجمال.

  فإن قيل: هذا إثبات اللغة بالترجيح الذي يصلح للأمور العقلية لا الأمور الوضعية وقد منعتموه.

  قلنا: لا نسلم أن هذا من إثبات اللغة بالترجيح، بل هذا من باب ترجيح المجازات بالعرف في مثله، ولهذا يقال كالعدم إذا كان بلا جدوى، وهذا القول هو اختيار ابن الحاجب هو ومن تابعه.

  (وقيل: وهو المختار) إنما كان غير مجملٍ (لحمله على نفي جميع الأوصاف) التي يمكن تقديرها (لوجوب حمل اللفظ على كل ما يحتمله) من المعاني (إلا لتناف) كما تقدم في عموم المقتضى فيكون التقدير: لا صلاة شرعية مجزية ونحو ذلك إلا بطهور، ولا وجه لتقدير شيء واحد مع صحة حمله على جملة الأوصاف، سواء كان مشتركاً، أو حقيقة في معنى، أو مجاز في معان متعددة.

  وقال (الكرخي وأبو عبد الله وأبو الحسين والباقلاني: بل) الفعل المنفي (مجمل) وإنما كان مجملاً (لأنه لا بد من إضمار شيء) لما تقدم (يتعلق به النفي) ثُمَّ لا يخلو ذلك المضمر:

  إمَّا أن تكون جميع أحكام الصلاة المتقدمة، أو حكماً منها معيناً، أو غير معين.

  باطل أن يراد جميع الأحكام؛ إذ لا وجه لذلك ولا ملجئ إليه؛ إذ الذي لا بد من إضماره حكم يتعلق به النفي ليصان الكلام النبوي من الهدر.

  (وهو متردد بين) أمرين: أحدهما (الأجزاء والكمال وما أضمر للضرورة قيد بقدرها) من غير زيادة عليه، فإذا كان لذلك (فلا يضمر الجميع) لما عرفت، (ولا أحدهما معيناً؛ إذ ليس أحدهما) بالإضمار (أولى من الآخر) فلا بد من مخصص لإضماره دون ما عداه ودليل، (فكان مجملاً) لأنه لم يبق من التقادير إلا أن يقدر أحدها لا بعينه وهي حقيقة المجمل.

  قلنا: مسلم وجوب التقدير لما ذكر، ومن الضرورة، ولكن لا بد من تقدير الجميع وإلا كان تخصيصاً لغير مخصص.

  قالوا: العرف فيه شرعاً مختلف فيفهم منه نفي الصحة تارة ونفي الكمال أخرى، فكان متردداً بينهما، ولزم الإجمال.