الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل
  وأجاب الأولون: بأن اختلاف العرف والفهم إنما كان للاختلاف في أنه ظاهر في الصحَّة تارة أو في الكمال أخرى، فكل صاحب مذهب يحمله على ماهو الظاهر فيه عنده، لا أنه متردد بينهما، فهو ظاهر عندهما لا مجمل، إلا أنه ظاهر عند كل منهما في شيء، سلمنا أنه متردد بينهما، فلا نسلم أنهما على السواء بل نفي الصحة راجح بما ذكرنا؛ لأنه أقرب إلى نفي الذات.
  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (العموم المخصص بمبين) متصل أو منفصل: (وليس بمجمل عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (وقد تقدم تفصيل ذلك) في باب العموم فقد أغنانا من إعادته، وهذه المسألة لها طرفان:
  الأول: هل يصير العموم بعد تخصيصه حجة وهي المذكورة هناك.
  والثاني: هل هو مجمل، وهذه صورته.
  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (تعليق التحليل والتحريم بالأعيان، نحو) قوله تعالى ({أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}[المائدة: ١]، و) قوله تعالى ({حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣]، وليس) هذا (بمجمل عند أئمتنا والجمهور) من العلماء منهم متقدموا الحنفية وأكثر الشافعية وهو المحكي عن الشيخين أبي علي وابنه، واختاره القاضي وأبو الحسين، وإليه ذهب الشيخ الحسن والحفيد، (ثُمَّ اختلفوا) في سبب عدم إجماله:
  (فقيل وهو المختار) إنما لم يكن مجملاً (بدلالة العقل على الحذف) لأن إسناد التحريم إلى الغير لا يصح عقلاً، وذلك إنما يتعلق بالفعل لا العين فلا معنى لتحريمها، (و) دلالة (العرف على تعيين المحذوف المراد إتيانه) ليعلق به التحريم والتحليل، وذلك (كالأكل) في قوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}[المائدة: ١]، (أو) المراد (نفيه كالوطء) في قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء: ٢٣].
  فإذا قيل: حرمت عليكم أمهاتكم فهو متضح الدلالة في الوطئ، فلا إجمال، وكالشرب في المشروب، واللبس في الملبوس، ولهذا الذي ذكره أن الصحابة لما سمعوا مناديه صلى الله عليه «إن الله قد حرم الخمر» لم يشكو أنَّ المراد تحريم شربها، ولذا عمدوا إلى ما عندهم منها فأهرقوه ولم يفتقروا إلى بيان يرد في ذلك، وكذلك لما سمعوا قوله ÷ في الذهب والحرير «هذان حرامان على ذكور أمتي» فهموا أن المراد اللبس لا الملك لذلك والنظر إليه ونحو ذلك.