الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل

صفحة 551 - الجزء 1

  (وقيل) إنما لم يكن مجملاً (لحمله على جميع ما يحتمله كالأكل) في قوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}⁣[المائدة: ١]، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة: ٣]، (وغيره) كسائر الانتفاعات من ركوبها وأخذ الجلد أو نحو ذلك، (والوطء) في قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}⁣[النساء: ٢٣]، (وغيره) كالاستمتاع والنظر لشهوة والتقبيل والاستخدام وجميع ما يحتمله.

  قالوا: فيحمل على جميع ما يحتمله (إلا لدليل) يدل على عدم تقدير بعض ما يحتمله اللفظ فإنه لا يقدر؛ لأنه يصير كالعموم المخصوص وذلك كالوطء للربائب، وهذا ليس بقويم؛ لأن العرف دليل معمول به عند العلماء، ومن المعلوم أنه لا يعقل منه إلا ما ذكر، فكان هذا القول ليس صريحاً.

  ويمكن نصرة هذا القول: بقوله ÷ «لعن الله اليهود حرِّمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها»، فدل هذا أن تحريم الشحوم أفاد تحريم كل أنواع التصرف وإلا لم يتوجه الذم عليهم في البيع.

  وقال (الكرخي وأبو عبد الله: بل مجمل لتعذر حمله على ظاهره كما سبق تفصيله) من أن تحريم العتق غير مقصودة، فلا بد من إضمار فعلٍ يصح متعلقاً له، والأفعال كثيرة ولا يمكن إضمار الجميع؛ لأن ما تقدر للضرورة يقدر بقدر الضرورة، فيتعين إضمار البعض، ولا دليل على خصوصية شيء منها، فدلالته على البعض المراد غير واضحة، وهو معنى الإجمال.

  قلنا: لا نسلم أن ذلك البعض غير متضح، بل هو متضح بما سبق من العرف في إرادة المقصود من مثله.

  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (قوله ÷: «الأعمال بالنيات») وهو متفق عليه، ولكن بزيادة إنما، وابن حبان في صحيحه بدونها، كلهم عن ابن عمر، (وليس بمجمل عند أئمتنا والجمهور) من العلماء، وإنما لم يكن مجملاً (لحمله على الصحة شرعاً) فالمعنى لا عمل صحيح شرعاً إلا بنية، وذلك لأن غير العمل الشرعي ممكن بغير نية ضرورة، فتعين أن المراد ما ذكرناه، فيكون ذلك دليل وجوب النية في الأعمال الشرعية.

  وقال (بعض المتكلمين) كأبي الحسين والكرخي (والفقهاء: بل مجمل لتعذر حمل اللفظ على ظاهره كما تقدم) في قوله: «لا صلاة إلا بطهور» ومعنى احتجاجهم: أنه متردد بين نفي الكمال والصحة، فقوله: «الأعمال بالنيات» بمنزلة لا عمل إلا بنية وهي كلها مستوية في إفادة هذا المعنى، والصورة غير