الباب السادس من أبواب الكتاب: باب المجمل
  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه اللفظ (المشترك) بين معنيين فصاعداً (وليس بمجمل عند جمهور أئمتنا وأبي علي والقاضي) عبد الجبار، وإنما قلنا بعدم الإجمال (لحمله على جميع معانيه) الغير المتنافية عند تجرده عن القرينة، فإذا كان هو الواجب فلا إجمال، وقد سبق تحقيق شاف في المقدمة (إلا عند قيام قرينة إرادة بعض ما وضع) ذلك اللفظ (له من غير تعيينه) أي البعض المراد فإنه يكون حينئذٍ مجملاً لحصول حقيقة الإجمال فيه، وهو عدم الإيضاح في دلالته على الذي أريد به، وذلك كأن يقول الشارع: اعتدي بالإقراء وأنا لا أريد الطهر والحيض، ولكن يمنع تأخير البيان إلى بعد وقت الحاجة.
  (أو) لم تقم قرينة على إرادة البعض فإنه يصير مجملاً بوجهٍ آخر غير الأول وهو (احتماله للمعاني المتنافية) وهي المتضادة والجارية مجراها، ولكن إنما تكون مجملاً إذا كان ذلك الاحتمال (من غير قرينة تدل على أحدها) بعينه لتعذر حمله عليهما لتنافيهما وعدم قيام القرينة، فما هذا حاله يحمل عليهما على جهة البدل حتَّى يظهر دليل الرجحان، وقد تقدم.
  وقال (أبو هاشم والكرخي وأبو عبد الله والإمام) يحيى (والشيخ) الحسن (وأبو الحسين: بل) اللفظ المشترك (مجمل) وإن لم يكن على أحد الوجهين المذكورين (إلاَّ لقرينة معينة لبعض ما وضع له) وذلك لأنه يمتنع عندهم أن يراد باللفظة المشتركة جميع معانيها:
  فعند أبي هاشم والكرخي وأبي عبد الله: أن ذلك يمتنع من حيث القصد واللغة.
  وعند الإمام ومن بعده: من حيث القصد لا اللغة.
  قالوا: فإذا امتنع إرادة المعنيين صار الكلام مجملاً، وهذا مبني على كلام قد قدمنا إبطاله وصححنا خلافه، فخذه من هنالك موفقاً إنشاء الله تعالى.
  (ومنها) أي ومما أدخل في المجمل وليس منه (الجمع المنكر) سواء كان جمع قلة (كأعبد) أو جمع كثرة (و) ذلك مثل (رجال وليس بمجمل عند أئمتنا والجمهور) من العلماء وذلك (لأن له) أي الجمع (ظاهر يعمل عليه) فانتفت منه حقيقة الإجمال، وذلك الظاهر هو (كجماعة الأعبد والرجال على البدل) جمع الكثرة حقيقة في جماعتهم من أحد عشر فما فوقها، وجمع القلة حقيقة في جماعتهم من ثلاثة إلى عشرة، هكذا ذكر معناه في الحواشي، ويفهم منه متناً وحاشية أنه إذا قال: أكرم رجالاً، حمل على أحد عشر فصاعداً على جهة البدل، وإذا قال: اشتر أعبداً حُمل على ثلاثة إلى عشرة،