فصل: [في القول والفعل الواقعان بعد المجمل]
  والجواب: ما قاله عضد الدين أن ذلك إنما يلزم في المفردات نحو: جاءني القوم كلهم، وأما المؤكد المستقل فلا يلزم فيه ذلك كالجمل التي يذكر بعضها بعد بعضٍ للتأكيد، فإن الثانية وإن كانت أضعف من الأولى لو استقلت فإنها بانضمامها إليها تفيد تأكيداً وتقريراً لمضمونها في النفس زيادة تقرير.
  هذا إذا اتفقا (وإن اختلفا) في صلوحهما لبيانه (كما لو أمر بعد آية الحج بطواف وفعل طوافين) وذلك لأنه ÷ قال «من قرن حجاً إلى عمرة فليطف لهما طوافاً واحداً وسعياً واحداً» أو روي «أنه قرن فطاف طوافين وسعى سعيين»، أرسله في أصول الأحكام عن علي #، (فالمختار أن المتقدم منهما هو البيان إن علم) تقدمه، وسواء كان هو القول أو الفعل (وفاقاً لأبي الحسين) البصري، (والمتأخر ناسخ له) أي الحكم ما قبله وهو البيان الأول (إن أمكن العمل بالمتقدم) لأن ذلك من شرائط النسخ لما ستعرفه إنشاء الله تعالى (ومبين للمجمل) أي الخطاب المجمل عطف على نسخ نحو: حجوا وطوفوا، ويكون بياناً له بالنظر إلى الصفة الأولى.
  ونَظَّر هذا الحفيد، ووجه النظر: أن البيان والمبين كالشيء الواحد؛ فإفادتهما إفادة واحدة، فنسخ البيان الأول نسخ للمبين، وإذا كان كذلك فكيف يكون الثاني ناسخاً للبيان الأول مبيناً للمجمل، وما قدمنا يقضي بأن البيان نسخ له؛ ولأن من حق البيان أن يرد على ما هو مجمل، ومن حق المنسوخ أن يكون مبيناً، وهذا يقضي بأن الخطاب الذي بينه الثاني مجمل ومبين، وهذا متنافي.
  ويمكن الجواب عن هذا النظر: أمَّا عن الأول فلا نسلم أن نسخ البيان نسخ للمبين، وإن كانت فائدتهما واحدة؛ لأن المبين بيان صفة الفعل وحكمه وكيفيته، والمبين المختص بذلك، وقد يؤخذ الشيء عارياً عن بيانه، ويخاطب به مع الجهل ببيانه، فدل على أن أحدهما قد ثبت وهو المجمل من غير بيان، وقد يزول الكلام المجمل على إجماله، فلم يصح ما ذكره.
  وعن الثاني: أنا لا نسلم أن الأمر كما ظننته في أن في ذلك تنافياً؛ لأنه يمكن أن يكون الشيء يفتقر إلى البيان من وجهين، ويكون المجمل مجملاً بالنظر إلى وصفين للفعل، فتكون المصلحة في أداء الفعل في وقت على أحد الوصفين، مع أدائه على الوصف الآخر في وقتٍ آخر، ويرد الأمر بذلك، وليس فيه بيان أحد الوصفين، فيفتقر إلى بيانين في الوقتين، ففعل النبي ÷ ذلك الفعل على صفةٍ في وقتٍ كان يفعله بياناً للمجمل، ثُمَّ إذا ورد فيه بعد ذلك بأنا نفعل الفعل على صفة أخرى غير تلك الصفة التي بينها بالفعل كان قوله هذا بياناً للمجمل بالنظر إلى الوصف الثاني الدال