الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان هل يجب مساواة البيان للمبين في حكمه أو لا

صفحة 570 - الجزء 1

  وإلى الثاني أشار بقوله: (ويجب كون البيان أوضح منه) أي من المبين (في الدلالة) على المقصود، فلا يصح أن يكون البيان مساوياً في الدلالة؛ إذ لو كان كذلك لاحتاج إلى بيان، وما يحتاج إلى بيان لا يكون بياناً، (لا في القوة) فلا يجب في البيان أن يكون مساوياً للمبين فيها، ولا أن يكون أقوى منه، (فيصح تبيين القطعي بالظني عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (على ما تقدم) تفصيله في التخصيص، وسواء كان ذلك المبين (مجملاً كقرء) في المشترك لتردده بين المعنيين، (أو) كان (عاماً) مبين الحقيقة مثل: من دخل داري أكرمته، أو مختلفها مثل: عين، على ما حققه العضد في غير هذا الموضع، (أو مطلقاً) كأعتق رقبة.

  وقال أبو الحسن (الكرخي وأبو عبد الله: بل يجب المساواة) بينهما بمعنى أنه يمتنع كون البيان أدنى، ولا يمتنع كونه أقوى فالقطعي يبين بقطعي، والظني بقطعي أو ظني.

  وقال (الآمدي وابن الحاجب:) بل (يجب في العام والمطلق كون المخصص والمقيد أقوى) فلا يجوز أن يكون مساوياً، لكن الظاهر أن مرادهما بالأقوى الأقوى دلالة لا أن مرادهما القطع بذلك؛ لأنه قد تقدم لابن الحاجب جواز تخصيص القطعي بالظني.

  قال (الآمدي: لا المجمل كالمشترك فيصح بيانه بالأضعف) لما سيأتي، وهذا هو الذي يقضي به قول ابن الحاجب في المنتهى؛ لأنه قال: وأمَّا المجمل فواضح، قال بعض شراح مختصره: معناه أن الذي ذكره من أن البيان يجب أن يكون أقوى إنما هو في غير بيان المجمل من تخصيص العام وتقييد المطلق، وأما بيان المجمل فيجوز أن يكون بالمرجوح.

  فإن قيل: المجمل غير متضح الدلالة فيكون بيانه وهو ما يعين أحد محتملاته أقوى منه بالضرورة ولا يتصور كونه مرجوحاً.

  قلنا: عدم إيضاح دلالة المجمل على المعنى المعين المراد منه لا ينافي قوة دلالته على معناه الإجمالي، أعني أحد الاحتمالين كما في قوله تعالى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فإنه قوي الدلالة على ثلاثة أفراد من الطهر أو الحيض، فيجيء النزاع هل يعين أحدهما بلفظ دلالته أضعف من ذلك بأن لا يكون قطعياً في مدلوله، مثلاً لو بين بالطمث وفرضنا عدم تواتره عن العرب في الحيض، لكن نقل نقلاً أحادياً، وسياق الخلاف في العضد ومفهومه مع الرجوع إلى ما سبق من القواعد يقضي بأن المراد بالأقوى أقوى دلالة كما حملنا عليه قول ابن الحاجب، فإذا يكون خلاف الكرخي في جواز المتساوي دلالة،