الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة]

صفحة 572 - الجزء 1

  فإن قلت: الحديث - الذي رواه سهل بن سعد وأخرجه البخاري ومسلم من أنها أنزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}⁣[البقرة: ١٨٧]، ولم ينزل من الفجر، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتَّى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله ø بعد {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يريد الليل والنهار - يقضي بأنه يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

  قلت: قال الزمخشري فيه: من لا يجوز تأخير البيان وهم الأكثر لم يحكم بصحته.

  وقال السيد إبراهيم في بعض الحواشي: لا بد من تأويل على كلا القولين، فإنه عن وقت الحاجة لا إليها.

  قلت: وتأويله أنه مجاز، والمجاز لا بدَّ له من قرينة إمَّا عقلية أو غيرها، فهو مجاز مصحوب بقرينته، وأنه يعلم بالعقل المستفاد من الأمر بالإمساك من المفطرات نهاراً أن المقصود بالخيط الأبيض النهار وبالأسود الليل، ومن ثَمَّ بَكَّتَ ÷ عدياً في الأثر الراوي له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بقوله «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين» لما قال له إنهما الخيطان.

  وفي بعضها: أن سؤاله عن قوله حتَّى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر فخفي عليه ذلك مع قوله من الفجر، فكان يلزم على هذا أن يحتاج إلى بيان، ما ذلك إلا لأن الله [عز] وجل اكتفى بالقرينة الخفية أولاً، ثُمَّ لما خفيت على كثير زاد قرينة أوضح منها تفسيراً أو تحقيقاً، ولما كانت بحيث لا يخفى نسب الجاهل لها إلى عرض القفا، فلذلك لما كانت واضحة لم يزد الله عليها بياناً والله أعلم، هذا ما لاح لي في ذلك، ولعله الحق إنشاء الله تعالى.

  (خلافاً لمجوز تكليف ما لا يعلم) وهم بعض المجبرة كما تبين، فإنهم أجازوه بناء على أصلهم.

  (فأما تأخير التبيين) أي النظر (من المكلف فممكن اتفاقاً) لأن المكلف يجوز أن يهمل النظر.

  (واختلف في تأخيره) أي البيان (عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة):

  (فعند) الشريف (الموسوي والإمام) يحيى (وبعض الأشعرية) كأبي حامد الغزالي، وابن الخطيب الرازي، وابن الحاجب، وغيرهم من الأشاعرة (وأكثر الفقهاء: يجوز) تأخير البيان عن وقت الخطاب (مطلقاً) أي سواء كان المجمل المبين مما لا ظاهر له، أو مما له ظاهر، أو كان في الخبر أو في الأمر والنهي.

  (وعند أبي طالب والشيخين) أبي علي وأبي هاشم (والقاضي) عبد الجبار (والظاهرية وبعض الفقهاء: يمتنع مطلقاً) أي كذلك فيجب ورودهما معاً.