فصل: [في مبادئ أصول الفقه]
  أمَّا الكتاب: فلأن كل واحد مما يستدل به من الكتاب على الأحكام ليس معجزاً؛ لأن المعجز منه مقدار سورة، وأقله ثلاث آيات، فلا يعلم أنه من كلامه تعالى إلا بإخباره، فلا بد من صدقه.
  وأمَّا الإجماع والقياس: فيرجعان إلى الكتاب والسنَّة، والعلم بصدق المبلغ يتوقف على أدلَّة المعجزة على الصدق، فإنَّها تصديق له من الله تعالى فيما أديناه، ولا طريق إليه سواه ولا تقليد في ذلك كله، كما لا يخفى فلا بد من الإستدلال عليها وذلك من وظيفة علم الكلام.
  (و) استمداده أيضاً: (من) علم (العربية) وهي متن اللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان وذلك (لأنَّ الأدِلَّة من الكتاب والسنَّة) الذين هما عمدة الأدلَّة والباقي متفرع عليها (عربية) والإستدلال بهما على الأحكام يتوقف على معرفة أصول اللغة وأحكامها التي لها مدخل في الإستدلال على الأحكام من حقيقة ومجاز، وعموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وحذف وإضمار، ومنطوق ومفهوم، واقتضاء وإشارة، وتنبيه وإيماء، وتركيب واشتراك، وترادف ونقل، وغير ذلك مما لا يعرف في غير علم العربية.
  (و) استمداده أيضاً: (من الأحكام) الخمسة، (والمراد) من الإستمداد من الأحكام: (تصورُها بالحد) الذي المراد به التعريف ولو لفظياً، وإنَّما قلنَا إن المراد ما ذكر (ليمكن) للأصولي حصول مقصوده، وهو (إثباتها أو نفيها بعد ذلك) أي بعد تصورها؛ إذ لا بد من تصور النسبة والطرفين قبل الحكم (في أفراد المسائل) أي مسائل الأصول، لا من حيث وجودها وعدمها في نفسها، فإن ذلك من علم الكلام، بل من حيث أنها مدلولة للأدلة السمعية ومستفادة منها، فإذا قلنا: الأمر للوجوب مثلاً كان معناه أنَّه دل على الوجوب ومفيد له، وكذا مقصوده بإثباتها ونفيها في أفراد مسائل الفقه من حيث تعلقها بالأفعال، فإذا قلنا: الوتر واجب كان معناه أنه متعلق للوجوب وموصوف به، لا أن المراد من الإستمداد منها أنه يستمد من (حصولها وإلَّا) يُرد ما ذكرنا من التصور وأريد حصولها (لزم الدور)، وهو توقف الشيء على نفسه أو على ما يتوقف عليه؛ إذ لو أريد العلم بإثباتها أو نفيها من حيث استفادتها من أدلتّها لزم توقف الشيء على نفسه، فإن ذلك مقاصد هذا العلم ومسائله، ولو أريد إثبات الأحكام أو نفيها من حيث تعلقها بالأفعال، بأن يعلم إثباتها أو نفيها في آحاد المسائل على ما في الفقه من العلم بوجوب الحج وحرمة الخمر وغير ذلك بطريق النظر والإستدلال، لزم توقفه على معرفة أحوالِ الأدلَّة - أعني ما توقف عليه - لأنه فائدة لهذا العلم ومتأخراً عنه، فظهر ارتباط المقاصد بذلك.
  (وأمَّا حكمه: فالوجوب) على الكفاية: