الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السابع من أبواب الكتاب: باب المبين

صفحة 576 - الجزء 1

  وأمَّا إلى الأبد: فلأنه يلزم المحذور وهو الخطاب والتكليف مع عدم الفهم.

  قلنا: يختار جوازه إلى مدة معينة عند الله تعالى وهو الوقت الذي علم أنه المكلف به فيه، فلا تحكم، ونحن نقول به.

  احتح الكرخي: بأن الشارع إذا خاطبنا بما له ظاهر فإن لم يقصد إفهام المعنى كان عبثاً، وهو نقض، وإن قصده فإن كان هو المعنى الباطن كان تكليفاً بما لا يطاق، وإن كان هو الظاهر كان أصلاً، وليس كذلك المشترك، فإن المشترك ليس فيه إيقاع في الجهل.

  قلنا: نحن نجيب بالمعارضة وهو أن نقول: العموم خطاب لنا في الحال مع أنه لا يجوز اعتبار استغراقه عند سماعه، بل لا بد أن نقيس الأدلة حتَّى نيأس من المخصص.

  وأيضاً: قد أجمعنا أنه يجوز تأخير بيان المخصص بزمان قصير، وأن يعطف جملة على جملة أخرى، ثُمَّ يبين الجملة الأولى عقيب الثانية، وإن يبين المخصص بالكلام الطويل، وهذا نقض لما ذكروه.

  واحتج أبو الحسين: بأن مع الإشعار لا يقضي ظاهر الخطاب إغراء بخلاف ما إذا لم يكن ثُمَّ إشعار.

  والجواب: ما تقدم من أنه لا يصح إغراء مع تحريم العمل حتَّى يبحث عن المخصص.

  احتج القائلون به في الأوامر والنواهي: أنها لا تحمل صاحبها على اعتقاد جهل، فجاز الخطاب بها، بخلاف الأخبار؛ لأن السامع إذا أخبر بخبر اعتقد شموله فيكون الخطاب إيقاعاً في الجهل.

  قلنا: لا نسلم أنها تحمل صاحبها على اعتقاد الجهل؛ لأنه ممنوع من اعتقاد ذلك إلا بعد البحث عن بيانها.

  احتج العاكسون: بأن الأخبار لا تكليف فيها بخلاف الأوامر والنواهي، فإن فيها تكليفاً.

  والجواب: بالمنع لما قالوه في الأخبار بأن يقال: لا يسلم أن لا تكليف وهو العلم بمقتضاها، فبطل ما توهمه الخصوم.

  (ومن ثمرات الخلاف في المسألة: جعل الوارد بعد الخطاب) الغير المبين (مخصصاً للعام) المتقدم، (ومقيداً) كذلك عند أهل القول الأول، (لا ناسخاً) لما تناوله، (وعكس ذلك) عند المانعين بمعنى أنه يكون ناسخاً لا مخصصاً، وفيه تأمل؛ إذ من شرط الناسخ أن يترخى إلى بعد إمكان العمل، وعند بعضهم إذا وقع ذلك فيما له ظاهر فتخصيص وتقييد وبيان، وإلا فنسخ.