فصل: [في انحصار أبوابه]
  أمَّا كونه واجباً: فلأن معرفة حكم الله تعالى في الوقائع النَّازلة بالمكلفين واجبَة، للإجماع على أنَّ المكلف غير مخير بين النفي والإثبات في الوقائع النازلة، بل لله فيها أو في أكثرها أحكامٌ معينَة، ولا طريق إلى معرفة حكم الله تعالى إلا هذا العلم؛ لأن المكلف إن كان عامياً ففرضه السؤال لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}[النحل: ٤٣]، وإن كان عالماً فالعالم لا يمكنه أن يعرف حكم الله تعالى إلا بطريق؛ لانعقاد الإجماع على أن الحكم بمجرد الشك غير جائزٍ، ولا معنى لأصول الفقه إلا تلك الطرق، وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه كما يأتي إنشاء الله، فثبت أنه لا سبيل إلى معرفة حكم الله تعالى إلا بأصول الفقه.
  وأمَّا وجوبه على الكفَاية: فلمَا سيأتي إن شاء الله تعالى في أبحاث المفتي والمستفتي من أنَّه لا يجب على الناس بأسرهم طلبُ الأحكام واستنباطها بالدليل؛ فلأن الأحكام الشرعيّة التي وجب أصول الفقه لأجلها واجبة على الكفاية، فتحتم أن تكون أصول الفقه مثلها؛ إذ هو طريق لها، فيجب أن يكون وجوب المتطرِّق كوجوب المتطرَّق إليه.
فصل: [في انحصار أبوابه]
  (وينحصر) هذا العلم بحسبِ الاستقراء انحصار الكل في الأجزاء، وقد حصرها المصنف في المسودة في عشرة أبواب في ثلاثة أبيات وهي:
  أمرٌ ونهيٌ عمومٌ والخصوصُ معاً ... ومجملٌ وبيانٌ بعدُ مذكورُ
  وناسخٌ ثُمَّ منسوخٌ مع خبرٍ ... والفعلُ من بعده الإجماعُ مسطورُ
  قسْ واجتهدْ وكذا أُحصرْ إباحتُهم ... ووصفُ مفتٍ ومستفتٍ ولا غَيْرُ
  وهي في التحقيق راجعة إلى ما ذكره المؤلف في المسودَّة؛ لأن المطلق والمقيد جعلا داخلين في باب العموم والخصوص، والظاهر والمأوّل في باب المجمل والمبين، وكذا التعارض والترجيح، فإنَّهم يذكرونَها ولا يفردون منها باباً، ويذكرون تعارض الأخبار وتراجيحها في باب الأخبار، وتعارض القياس وتراجيحه في باب القياس إذا عرفت هذا فأول باب من الستة عشر (الأمر، و) الثاني: (النهي، و) الثالث: (العموم، و) الرابع: (الخصوص، و) الخامس: (المطلق والمقيد، و) السادس: (المجمل، و) السابع: (المبين، و) الثامن: (الظاهر والمأول، و) التاسع: (الناسخ