الباب الثامن من أبواب الكتاب: باب الظاهر والمأول
  الاعتقاد الجازم المطابق أو غيره كما مر، (وهو) أي اللفظ السابق إلى الفهم منه معنى راجح إلى آخره (إما بالوضع لغة كأسد) فإنه باعتبار وضع اللغة لفظ سبق منه عند إطلاقه معنى راجح، وهو الحيوان المفترس مع احتماله للرجل الشجاع وهو مرجوح، فإذا أطلق لم يفد القطع بأنه السبع لاحتمال المجاز، (أو) بالوضع (شرعاً كالصلاة) فإنها باعتبار الشرع لفظ يسبق إلى الفهم منه معنى وهو أركان وأذكار مع شرائط راجحاً، مع احتماله لقصد الدعاء وهو مرجوح، فمع إطلاقه لا يفيد إلا الظن لما تقدم، (أو بالعرف كالدابة) فإنها إذا أطلقت لم يقطع بأن المراد بها ذات الأربع لجواز إرادة المعنى اللغوي.
  والحاصل: أن كل ما له استعمالات هو حقيقة في أحدهما مجاز في صاحبه، فدلالته غير القطعية لجواز إرادة المعنى الغير الظاهر.
  (وقد يصير) الظاهر (نصاً لعارض) اقترن به يزول بسببه احتمال المعنى المرجوح، كما إذا اقترن بالحقيقة إرادة قرينة قطعية ناصة على إرادة المعنى الأصلي، فإنه يكون نصاً في ذلك الشيء بسبب القرينة، نحو قولنا: رأيت أسداً يفترس بقرة بمخالبه، أو نحوذلك.
  (ويسمى النص والظاهر: محكماً ومبيناً) والوجه أن فيهما حقيقتهما؛ إذ المحكم ما وضح معناه، والمبين كذلك.
  (والمؤول: الظاهر) أي اللفظ الذي يسبق إلى الفهم منه معنى راجح، مع احتماله لمعنى مرجوح، لكنه (المحمول على المعنى المرجوح) وهذا يشمل التأويل بتأويل صحيح وفاسد، فإن أردت التأويل بتأويل صحيح زدت في الحد (لدليل) يوجب صرفه عن ظاهره (قطعي) كالقرينة العقلية الصارفة لقوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة: ٦٤]، عن أن يكونا حقيقة، وكذلك قوله تعالى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤}[البقرة: ٢٨٤]، فإن ظاهره يقتضي أنه قادر على أعيان أفعال العباد وعلى إعادة ما لا يبقى، إلا أن القرينة العقلية صرفته عن ذلك وغير هاتين الآيتين مما العقل يصرفه عن ظاهره.
  (أو ظني) كأخبار الآحاد المخصصة للعمومات (يصيره) أي ذلك المعنى المرجوح (راجحاً) وكلك أنه بلا دليل مرجوح ومساوٍ فاسد (ولذلك) أي ولأجل أنه لا يحمل الظاهر إلا بالدليل المذكور ([وجب] رد كثير من التأويلات) لعدم الدليل المذكور، فوجب طرحها وإلغاءها وانتشال الصدور عنها.
  (ويسمي المؤول والمجمل متشابهان) لصدق حده عليهما، وفي تسمية المجمل متشابهاً ما تقدم، وقال في الحواشي: وتسمية المؤول مطلقاً متشابها تسامح؛ لأن المؤول حيث يكون قرينته ضروريَّة مثل