الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثامن من أبواب الكتاب: باب الظاهر والمأول

صفحة 592 - الجزء 1

  وأما أنه ليس ببعيد: فلأن شهر رمضان والنذر المعين متعين في نفسه، فلم يحتج إلى تبييت؛ إذ فائدته تعيين ما يصام قبل حصوله، وإنما يجب بنية فقط لأنه عبادة فيصح ابتداء نيتهما من النهار، بخلاف غيرهما فهو غير متعين في نفسه فتجب نيته لأجل يتعين، وأيضاً فقد ثبت عندهم صحة الصيام بنية من النهار، فإن رسول الله ÷ بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء «ألا من أكل فليمسك بقية يومه ومن لم يأكل فليصم»، فأجاز رسول الله ÷ ابتداء النية من النهار مع كون يوم عاشوراء واجباً كرمضان؛ إذ لا أحد فصل: بينهما.

  فإن قلت: إن صوم يوم عاشوراء قد صار منسوخاً فما بالك استحججت به وجعلته أصلاً للقياس؟.

  قلت: لا يلزم من نسخ بعض الأحكام نسخها أجمع، ألا ترى إلى نسخ وجوب صلاة الليل فإنه لم يقتضِ رفع أحكامها، والله أعلم.

  (و) من المتوسط (قوله ÷) الراوي له ابن عمر (لغيلان بن سلمة حين أسلم عن عشر نسوة) وكان إسلامه بعد غزوة الطائف (أمسك أربعاً وفارق سائرهن) ولفظه عند الترمذي: أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهليَّة، فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وآل وسلم أن يتخير أربعاً.

  وفي رواية لم يخرجها ابن الأثير عن ابن عمر أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما ترى فيمن أسلم وله عشر نسوة؟ قال: «يتخير منهن أربعاً»، وقد أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم، وأعله البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، فظاهر الحديث الأمر بالإمساك سواء حدد العقد أو لا، ولكنه متأول عند أئمتنا $ والحنفية (بابتداء النكاح) فكأنه قال: اعقد بأربع عقداً جديداً واترك بقيتهن إن كان العقد الأول وقع عليهن مرة واحدة، ولذلك فإن أئمتنا والحنفية يرون وجوب تجديد النكاح إن تزوجهن معاً، وإمساك الأربع الأوائل إن تزوجهن مرتباً.

  وهو ليس بقريب؛ لأن غيلان كان متجدد الإسلام لا يعرف شيئاً من الأحكام حتَّى يخاطب بغير ظاهر اعتماداً على ما سبق علمه، ولا شك أنه يبعد خطاب مثله بمثل هذا، مع أنه لم ينقل تجديد قط لا منه ولا من غيره أصلاً مع كثرة إسلام الكفار المتزوجين، ولو كان لنقل قطعاً.

  وليس ببعيد؛ لأن الدلالة الدالة على بطلان تلك العقود المانعة من استباحة الفروج إلا بعقد شرعي تجعل التأويل قريباً.