فصل: [في مفهوم الموافقة]
  (فهو) أي هذا النوع من مفهوم الموافقة يسمى (فحوى الخطاب) لأن فحوى الخطاب ما يفهم منه على سبيل القطع، وهذا كذلك.
  (و) يسمى (لحنه) أي الخطاب أي معناه، قال الله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} واللحن قد يطلق على اللغة، وعلى الفطنة، وعلى الخروج عن الصواب.
  (و) يسمى (دلالة النص) لأن فيه تنصيصاً على المقصود؛ إذ لا يحتاج في فهمه إلى نظر وتأمل، وذلك ظاهر.
  (و) إنما (يعرف) كونه أولى في المسكوت بمعرفة المعنى المناسب للمقصود من الحكم كالإكرام في منع التأفيف وعدم تضييع الإحسان والإساءة في الجزاء، والأمانَة في أداء القنطار، وعدمها في عدم أداء الدينار (بكونه) أي المعنى المفهوم من اللفظ (أشد مناسبة في المسكوت) عنه في المذكور.
  (وهو) أي مفهوم الموافقة (تنبيه بالأعلى) مناسبة لترتب الحكم عليه (على الأدنى) مناسبة كما تقدم في التنبيه بالقنطار على ما دونه، (وعكسه) وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى كما تقدم من التنبيه بالذرة والتأفيف والدينار على ما فوقها، وهذا هو الذي ذكره ابن الحاجب في المنتهى، وعضد الدين جعل التنبيه بالأدنى على الأعلى شاملاً لجميع الصور على ما هو دأبه في التدقيق.
  وحاصله: أنه جعل الأدنى عبارة عن الأقل مناسبة لترتيب الحكم عليه، والأعلى عن الأكثر مناسبة له فالتأفيف أقل مناسبة بالتحريم من الضرب، والذرة أقل مناسبة بالجزاء مما فوقها، والقنطار أقل مناسبة بالتأدية مما فوقه، والدينار أقل مناسبة بعدم التأدية مما فوقه، لكون الأعلى المسكوت عنه أشد مناسبة كان الحكم فيه أولى منه في المذكور.
  قال سعد الدين: ومبنى هذا الكلام على أنه لا عبرة في مفهوم الموافقة بالمساواة.
  (واختلف فيه) أي في دلالة هذا النوع من المفهوم على حكم المسكوت عنه (فقيل: دلالته لفظية) لا مدخل للقياس فيها (كما ذكر) سابقاً.
  (ثُمَّ اختلفوا) بعد القول بأنها لفظية (فقيل: حقيقة لغوية) والنهي عند القائلين بهذه المقالة عن التأفيف دال صريح بصريحه على النهي عن الضرب وسائر أنواع الإيذاء. قال الإمام: وهذا شيء يحكى عن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، ونقل المصنف أجود.