الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في مفهوم الموافقة]

صفحة 600 - الجزء 1

  وقال (أبو طالب والمنصور بالله والقاضيان) جعفر وعبد الجبار (والحاكم: بل حقيقة عرفية) فيكون ذلك معلوماً من اللفظ، لكن لا لغة بل عرفاً.

  (وقيل) بل دلالة هذا النوع من المفهوم على حكم المسكوت عنه (معنوية لا لفظية، ثُمَّ اختلفوا) بعد القول بأنها معنوية.

  (والمختار وفاقاً للجمهور أنها قياس جلي) لا منطوق ولا مفهوم، فدلالة التأفيف على تحريم الضرب قياسية، والجامع ما في كل منهما من عدم الإكرام، ومن تضييع الإحسان، بل ذلك في الضرب أشد، فكان بالتحريم أولى، (ولذلك يذكرونه) أي هذا النوع (فيه) أي في القياس.

  وقال (الغزالي والآمدي) بل الدلالة عليه فهمت من السياق والقرائن لا من مجرد اللفظ، فلولا دلالتها في آية الوالدين على أن المطلوب بهما تعظيمهما واحترامهما كما فهم منها من منع التأفيف منع الضرب؛ إذ قد يقول دون الغرض الصحيح لعبده لا تشتم فلاناً ولكن اضربه، ولولا دلالتهما في آية مال اليتيم على أن المطلوب بها حفظه وصيانته ما فهم منها من منع أكله منع إحراقه؛ إذ يقول القائل: والله ما أكلت مال فلان، ويكون قد أحرقه فلا يحنث، فإطلاق تحريم التأفيف على الضرب مجاز مرسل (من باب إطلاق الأخص على الأعم) فأطلق المنع من التأفيف في آية الوالدين، وأريد المنع من الإيذاء، وأطلق المنع من أكل مال اليتيم في آيته وأريد المنع من إتلافه، فالمنع من التأفيف أخص أريد به الأعم، وهو المنع من الإيذاء، وذكر السبكي والإمام الحسن أن الغزالي يقول: إنها لفظية فهمت من السياق والقرائن.

  لنا: لو قطع النظر عن المعنى المشترك المناسب الموجب للحكم، وعن كونه آكد في الفرع لما حكم به، ولا معنى للقياس إلاَّ ذلك.

  قالوا: إنا قاطعون بإفادة هذه الصيغ لهذه المعاني قبل شرع القياس وأن من أراد المبالغة وقال: لا تعطه ذرة، فهم المنع مما فوقها قطعاً مع قطع النظر عن الشرع؛ إذ من عرف اللغة عرفها فلا يكون قياساً شرعياً، ولذلك فإن كل من لا يقول بحجية القياس فهو قائل به ولو كان قياساً لما قيل به.

  والأولون، قالوا: ليس إلا أن ذلك حقيقة لغوية لفهم أهل اللغة ذلك وأبو طالب والمنصور بالله قالا فليس إلاَّ أن ذلك حقيقة عرفية؛ لأن اللفظ لغة لا يدل إلاَّ على التأفيف، وإنما تعارف الناس على ذلك، يشهد به الذوق.