فصل: [في مفهوم الموافقة]
  والآخرون قالوا: فليس إلا أنه مجاز مرسل؛ لأن اللفظ لم يوضع إلا للتأفيف، ولا ذكر لغيره كما قدمنا لهم.
  قلنا: إنما عرفت مع قطع النظر عن الشرع وقال بها النافي للقياس لكون القياس فيها جلياً ولم ينكره أحد؛ لأن الخلاف إنما هو في الخفي، الحق أنه لا محل للنزاع؛ إذ لا نزاع في أنه إلحاق فرع بأصل بجامع، إلا أن الخصم يوهم أن محل النزاع كونه قياساً شرعياً فيبقى أن يكون كذلك؛ لأن ذلك مما يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقارٍ إلى نظر واجتهادٍ، ولو سلم أن للنزاع محلاً وأنه حقيقة، فالنزاع لفظي لا معنوي.
  (وإن كان) المفهوم من اللفظ (مساويا) للمنطوق في الحكم بأن لا يكون ثبوته فيه أولى منه في المنطوق، وذلك (كإلحاق الأمة بالعبد) في سراية العتق من قوله صلى الله عليه: «من أعتق شقصاً له في عبد قوم عليه الباقي» وروى الإمام في القسطاس شركاً، وكذلك إلحاق العبد بالأمة في تنصيف الحد المأخوذ من قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وكذلك إلحاق ما يشوش في تحريم القضاء المأخوذ من قوله ÷: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» (فهو ما في معنى الأصل) فإنا نعلم قطعاً كون الجارية في معنى الأصل وهو العبد، وأنه لا مدخل للذكورة والأنوثة في ذلك، وأن المقصود بالسرية إنما هو من جهة الرق لا غير، وهما مستويان فيه لا محالة، وكذلك نعلم أنه كما يجب تنصيف حد الأمة، فإنه يجب أيضاً تنصيف الحد في العبد وأنه لا مدخل للذكورة والأنوثة في ذلك، وإنما الغرض الرق وهو شامل، وكذلك يعلم أن الغرض إنما هو المنع من كل ما يشوش العقل ويمنع من استيفاء النظر في الإجتهاد، وهذا في جميع الأمور المشوشة كالجوع والحقن والألم.
  (و) إذا عرفت هذا فاعلم أن هذا النوع (قد يسمى كذلك) أي لحن الخطاب وفحواه، وقال السبكي: إن كان مساوياً سمي لحن الخطاب.
  (وقيل: لا يكون) مفهوم الموافقة (مساوياً) أي كما قال المصنف: يسمى بالموافقة وإن كان مثل الأول في الاحتجاج به، وهذا هو الذي يشعر به كلام المصنف المختصر من القائل أن مفهوم الموافقة غير قياس، ولذلك قال في ذكر احتجاجه (إذ ذلك) المساوي (قياس) لفرع على أصل، ومفهوم الموافقة ليس بقياس، فحاصل كلامه أنه يسمى الأول بمفهوم الموافقة؛ لأن دلالته لفظية، ولا يسمى