الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في مفهوم الموافقة]

صفحة 602 - الجزء 1

  الثاني به؛ لأن دلالته قياسية، وقد عرفت تقرير الكلام على هذه القاعدة، والتحقيق أن ما في معنى الأصل ليس بمفهوم موافقة ولا مخالفة؛ لأن المفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، ولم يدل إلحاق الأمة بالعبد على ذلك في محل النطق، بل بالعلة وأيضاً لو لم يحكم بأنه ليس بمفهوم لم يثبت قياس أصلاً إذ ذلك معناه.

  (ويعمل بهما عند أئمتنا والجمهور) من العلماء، ووجه العمل بهما ظاهر؛ لأن ثبوت الحكم إمَّا أولى أو مساوٍ، وذلك يقتضي العمل بهما، وأيضاً فإنَ من أراد المبالغة في عدم الإعطاء، قال: لا أعطي لك حبة، وأيضاً فإن من عرف اللغات عرف ثبوتهما.

  (خلافاً لبعض الظاهرية) وداود الظاهري (فيهما) أي الأولى والمساوي:

  أمَّا الأولى: فلأنه ليس في منطوق اللفظ، قال: لأن الضرب في الآية وهي: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} لا يدل عليه اللفظ لا بصريحه ولا بمفهومه، فلا يستفاد من الآية إلا النهي عن التأفيف دون غيره من سائر الأنواع.

  وأمَّا الثاني: فلأنه لا يعمل بالقياس كما سيأتي إن شاء تعالى.

  (و) الجواب: أن هذا مبني على قاعدة فاسدة من عدم العمل بغير الظاهر، وأيضاً فإنه أنكر ما علم من اللغة ضرورة، لذلك الذي ذكرناه فإنه (يسمى منكرهما سوفسطائي الشرع) والوجه في التسمية أن السوفسطائي ينكر المشاهدات ويدافع الضرورات، ومن طريف ما يحكى أن بعض المسلمين مر وفي رباط بعضهم نعل فأخذه وربط عوضه كلباً، فأتى ذلك السوفسطائي، وقال: أين النعل؟ فقال له ذلك: من الجائز أن يكون هذا المربوط نعلك، فأفحمه، ولم يرد جواباً.

  (وهما) أي الأولى والمساوي (قطعيان) يجب العمل بهما في الأصول والفروع (إذا كان أصلهما) الراجعان إليه (قطعياً).

  مثال الأول: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فإن أصل المفهوم الآية وهي قطعية.

  ومثال الثاني: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} فإن أصل هذا قطعي وهو الآية.

  وإن كان أصلهما ظنياً فهما ظنيان:

  مثال الأول: قوله ÷: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» فإن مفهومه أن زائل العقل بالأولى، والخبر آحادي وهو ظني، فكان المفهوم ظنياً.