فصل: [في انحصار أبوابه]
  وقدم الأفعال على الأقوال؛ لكونها ناقلة بحتاً، كما ذلك في مسئلة طريق كثير من المصنفين.
  وبعضهم قدم الأخبار على الإجماع؛ لأن خطاب الرسول مقدم على خطاب أمته، وقدم الأفعال والتقريرات عليه أيضاً؛ لمناسبته أقواله ÷؛ ولأنها حجة في حياتِه وبعد وفاتِه، والإجماع بعد موته فقط.
  والطرائق المستنبطة: إما أن تتضمن طريقة التعليل أولا، الثاني: الإجتهاد وتتبعه طريقة المفتي والمستفتي، والأوَّل القياس.
  وقدم عليه الأخبار؛ لأنه دليلُه، ومن حق الدليل أن يتقدم على المدلول في العلم؛ ولأن الأخبار كلها قطعيَّة، وإن دخل الظن في نقلها إلينا بخلاف القياس، وقدم على الإجتهاد لأن له أصلاً معيناً بخلاف الإجتهاد؛ ولأن دلالته قد تكون قطعيَّة بخلاف الإجتهاد.
  ثُمَّ إنَّها إنْ فقدت الطرق المذكورة ولم يجد المجتهد في الشرع طريقاً للحكم رجع إلى ما يقضي به العقل في الحادثة على حسب الاختلاف هل الإباحة أو الحظر؟.
  وقدم الإجتهاد على الحظر والإباحة؛ لأنه طريق شرعي، والحظر والإباحة رجوع إلى قضية العقل؛ لعدم الطرق الشرعيَّة، وكذلك التعارض والترجيح؛ لما كانا على الكلام فيما إذا ورد خبران متعارضان أو ظاهر آيتين احتيج إلى الكلام عليهما وترجيح أيهما.
  وقدم عليه الحظر والإباحة؛ لأنَّه آخر قدم يخطو به المجتهد إلى الحكم في الواقعة عند تعارض الأدلة.
  هذا ومن رام في مثل عدد أبواب هذا الفن حصراً عقلياً فقد ركب شططاً، سيَّما وهو أمر للاصطلاح والمواضعة فيه مدخل، لكن لا بأس بما استحسنه من كيفيَّة هذا الضبط والتقريب، وإن كان في شيء منه مدخل للمناقشة والتشعيب، ولهذا بحث ابن الحاجب عن الكتاب والسنة والإجماع باعتبار ما يختص بواحد من المسائل، ثُمَّ تكلم فيما يشترك فيه من السند والمتن، فالمتن ما تضمنَه الثلاثة من أمرٍ ونهي، وعام وخاص، ومجمل ومبين، ومنطوق ومفهوم، وناسخ ومنسوخ، والسند هو الإخبار عن طريق المتن من تواتر أو آحاد، مقبول أو مردود، ولما كان الطريق إلى الشيء مقدماً عليه طبعاً قدم باب الأخبار وضعاً، ثُمَّ بحث عن بقية الأدلة، ثُمَّ عن الإجتهاد ومقابله وهو التقليد، ثُمَّ عن الترجيح والله أعلم.