فصل: [في مفهوم المخالفة وأقسامه]
  إلا اختصاص المذكور بالحكم؛ إذ غيره منتفٍ، فتدل الصفة على الاختصاص للمذكور به، فإذا ظهرت قاعدة أخرى بطل وجه دلالة الصفة على الاختصاص للمذكور به.
  نعم، وقول المصنف: عند معتبره إشارة إلى أن ثَمَّ من يخالف فيه وهو كما قال، فقد خالف في دلالة المفهوم قوم مستدلين:
  أولاً: بأنه لو ثبت المفهوم لثبت لدليل ولا دليل؛ لأنه إمَّا عقلي ولا مدخل له في مثله، وإمَّا نقلي متواتر، فكان يجب أن لا يختلف فيه، وإمَّا آحاد وهو لا يفيد في مثله؛ لأن المسالة أصولية.
  قلنا: لا نسلم اشتراط التواتر وعدم إفادة الآحاد في مثله، وإلا امتنع العمل بأكثر أدلة الأحكام؛ لعدم التواتر في مفرداتها، وأيضاً فإنا نقطع بأن العلماء في الأعصار والأمصار كانوا يكتبون في فهم معاني الألفاظ بالآحاد كنقلهم عن الأصمعي وأبي عبيد، والخليل وسيبويه.
  وثانياً: بأنه لو صح القول بالمفهوم لما صح أن نقول: أدوا زكاة الغنم السائمة والغنم المعلوفة، لا مجتمعاً مثل: أدوا زكاة الغنم السائمة والمعلوفة، ولا مفترقاً مثل: أدوا زكاة الغنم السائمة وزكاة الغنم المعلوفة، واللازم ظاهر البطلان.
  بيان الملازمة: أن وزانه في منافاة مفهوم كل لمنطوق الآخر، وزان قولك في مفهوم الموافقة لا تقل له أفٍ واضربه، ولا شك أن ذلك غير جائز، فكذا هذا، وإنما لم يجز ذلك لوجهين:
  أحدهما: أن المنطوقين مع المفهومين متعارضان، والمنطوق أقوى من المفهوم، فيندفع المفهومان، فلا يبقى لذكر القيدين فائدة؛ إذ فائدة التقييد المفهوم، ويكون بمثابة قولك: أدوا زكاة الغنم، فيضيع ذكر السائمة والمعلوفة بخصوصهما.
  وثانيها: أنه تناقض؛ فإن مفهوم كل منافٍ لمنطوق الآخر، كذا قيل، لكن لا خفاء أنه إذا كان وزانه وزان مفهوم الموافقة في منافاة المفهوم للمنطوق كان عدم صحته غنياً عن البيان، وإنما المفتقر إلى البيان هو تخصيص المنافاة، لكن تقرير الوجه الأوَّل صريح في أنَّه بيان لامتناع أن يقال: أدوا زكاة المعلوفة السائمة والمعلوفة مجتمعاً أو مفترقاً، بناء على أنه لا يبقى لذكر قيد المعلوفة والسائمة فائدة، لا بيان للمنافاة في مثل قوله: لا تقل له أفٍ واضربه.