فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  (و) الثاني من أقسام المفهوم الستة (مفهوم الشرط) وهو أقوى من مفهوم الصفة، فكل من عمل بذاك عمل بهذا، وقال بهذا بعض من لم يقل بذلك، وذلك (نحو) قوله تعالى ({وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}) ونحو: أحكم بالمال إذا شهد به شاهدان.
  (و) إذا عرفت هذا فاعلم أن هذا المفهوم (يعمل به) فيحكم بأن ما عداه مخالف له (وفاقاًً للكرخي وأبي الحسين وابن سريج والرازي وكثير ممن لا يعتبر مفهوم الصفة، خلافاً لبعض أئمتنا) وهو الإمام (والشيخين) أبي علي وأبي هاشم (والقاضي) عبد الجبار (والجويني والغزالي والباقلاني، وعن أبي عبد الله روايتان) رواية بالإثبات ورواية بالمنع، فهؤلاء قالوا: لا وجه يوجد من الشروط انتفاء الحكم بانتفائه، وإن ثبت الحكم بانتفاء ثبوته.
  لنا: ما تقدم في الصفة فينتقل إلى هذا بعينها.
  ولنا أيضاً: إذا ثبت كونه شرطاً لزم من انتفائه انتفاء المشروط، فإن ذلك هو معنى الشرط، وربما يقال: إن المذكور بعد كلمة أن ونحوها شرط لإيقاع الحكم لا لثبوت الحكم، فلا يلزم من انتفائه سوى انتفاء الإيقاع وهو لا يستلزم انتفاء الوقوع.
  وتحقيق ذلك: أنه إن أريد أنه شرط انتفاء النسبة النفسية، فمسلم، ولا يلزم من انتفائه إلا عدم حكم النص، وإن أريد أنه شرط لمتعلقها الخارجي فممنوع ومرجعه إلى الاختلاف في أن أثر الشرط في منع السبب أو في منع الحكم فقط، لكن الحق هو الثاني للقطع، فإنا إذا قلنا: إن دخلت الدار فأنت حر، فإن الدخول شرط لوقوع العتق لا إيقاعه الذي هو التصرف منا بالتخير أو التعليق.
  ولنا: أن يعلى سأل عمر فقال: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله ÷ فقال «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»، فلو لم يفهم ما ذكرنا لم يكن للتعجب معنى.
  فإن قيل: هذا الحديث حجة عليكم؛ لأنه لو امتنع المشروط عند عدم الشرط لما جاز القصر عند عدم الخوف وقد جاز، فعلمنا أنه لا يجب عدم المشروط عند عدم الشرط.
  قلنا: ظاهر الشرع يمنع من ذلك، ولذلك ظهر التعجب لكن لا يمتنع أن يدل دليل على خلاف الظاهر.