فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  قالوا: الشرط قد يرد لا للتقييد كقوله تعالى {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} فلو ثبت مفهوم الشرط لثبت جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن، والإكراه عليه غير جائز بحال من الأحوال إجماعاً.
  قلنا: أولاً: هو مما خرج مخرج الأغلب؛ إذ الغالب أنَّ الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن، ولا مفهوم في مثله كما مضى.
  وثانياً: بأنَّ المفهوم وإن اقتضى ذلك فقد انتفى لمعارضته أقوى منه وهو الإجماع.
  وقد أجيب عنه أيضاً بما حاصله: سلمنا دلالة الشرط على عدم حرمة الإكراه عند عدم الإرادة لكن بناء عليه على أنه غير متصور، وهذا لا يستلزم الأذن فيه.
  بيان ذلك أنهم إذا لم يردن التحصن لم يكن البغاء مكروهاً عندهن، وهذا كافٍ في امتناع الإكراه؛ لأن الإكراه إنما هو إلزام فعل مكروه.
  (و) الثاني (مفهوم الغاية) وهو أقوى من مفهوم الشرط، فقال به كل من قال بمفهوم الشرط، وبعض من لم يقل كالباقلاني والقاضي، ولها لفظان:
  أحدهما: إلى (نحو) قوله تعالى ({ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} و) قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}).
  والثاني: حتَّى نحو قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.
  (و) إذا عرفت هذا فهو (يعمل به وفاقاً للجمهور) من العلماء، فيحكم بأن حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبله، (وخلافاً لأبي رشيد وبعض الفقهاء) فقالوا: لا يؤخذ به.
  (وقيل: إن كانت الغاية من جنس ما قبلها عمل به وإلاَّ فلا) يعمل به.
  لنا: أن أتموا الصيام إلى الليل بمنزلة آخر وقت وجوب الصيام انقضاء النهار، وقد يقتضي ارتفاعه بدخول الليل اتفاقاً، فكذلك قوله وإلى الليل.
  قالوا: ليس في لفظ الغاية تصريح برفع الحكم كما ذكر، وإنما يفيد ثبوت الحكم إلى أول وقتها، وفيما عدا ذلك مسكوت عنه غير محكوم عليه من جهة اللفظ بنفي وإثبات إلاَّ لقرينة أخرى غير اللفظ إن وجدت.