فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  قلنا: وضع حرف الغاية لرفع الحكم عما بعدها في نحو قوله تعالى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} علمناه من حال أهل اللغة، فمعنى ذلك أن آخر تحريم وطئهن طهرهن، فلو قدرنا ثبوت الحكم بعد ذلك الحكم لم يكن الطهر أجزاء وهو خلاف المنطوق.
  وقد اعترض مثل هذا الحكم من كلام ابن الحاجب بما حاصله: سلمنا أن ما بعد الغاية لو دخل لم تكن الغاية أجزاء، لكن النزاع لم يقع فيه؛ إذ لم يقل أحد بدخول ما بعد الموافق به هل يلزم انتفاء الحكم فيه، ولا معنى لمفهوم الغاية سوى أنها لا تدخل في الحكم بل يبقى الحكم عند تحقيقها، والجواز إلى تقيد معنى الغاية مطلقاً، فأمَّا دخولها في الحكم، وخروجها فأمرٌ يدور مع الدليل، ولهذا يدخل في مثل قراءة الكتاب من أوَّله إلى آخره بخلاف قوله قرأته إلى باب القياس.
  (و) الرابع: (مفهوم العدد نحو) قوله تعالى: ({فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} و) اعلم أنه (إذا قيد حكم بعدد) مخصوص (فإنه إن دلَّ) ذلك التقييد (على ثبوته) أي الحكم المقيد بالعدد (فيما زاد عليه با) لطريق (الأولى نحو) قوله ÷ «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً» لدلالته على أن ما زاد على القلتين بالأولى، فلا يحمل خبثاً، ولذلك لو حظر الله تعالى علينا جلد الزاني مائة لكان حظر ما زاد عليها بالأولى، رواه ابن عمر وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان، ولفظهم «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وفي لفظ «لم ينجس» ولم أجد فيها لفظ المصنف.
  وإذا عرفت هذا (فمفهومه) أي العدد (في طرف النقصان) وهو أنه هل يدل على أن الحكم فيما دون القلتين والمائة على خلاف الحكم فيهما، (وإلاَّ) يدل ذلك على ثبوت الحكم فيما زاد عليه بالأولى (فهو) أي مفهوم العدد (في طرف الزيادة) وهو أنه هل يدل على أن الحكم فيما فوق العدد على خلاف الحكم فيه، وذلك (نحو) قوله تعالى ({فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}) فالمفهوم هنا يدل على أن الزائد على الثمانين غير واجب.
  (ويعمل به) على الصحيح (خلافاً لأبي حنيفة وغيره) كالبيضاوي وأبي حسين والرازي والقرشي والإمام يحيى والآمدي ذكره في الحاصل.
  لنا: لو ثبت فيما زاد على العدد المذكور لم يكن لذكر العدد فائدة.