فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  والعلم في المثالين الاتيين عن غير زيد اتفاقاً (الظاهر في العموم) سواء كان صفة أو اسم جنس وظهوره فيه لعدم قرينة العهد، فيخرج ما ليس للعموم نحو، فأكله الذئب، ومثل أنا وأنت ونحوه، (في خبر أخص منه) بحسب المفهوم سواء كان علماً أو غير علم (نحو: العالم زيد أو صديقي زيد) والرجل عمرو، والكرم في العرب، والأئمة من قريش، قال التفتازاني: ولا خلاف في ذلك بين علماء المعاني تمسكاً باستعمال الفصحاء.
  (وقيل): بل (هو منطوق) لا مفهوم، (وأنكر قوم) وهم الحنفية والباقلاني وجماعة من المتكلمين وابن صاحب جمع الجوامع (إفادته الحصر).
  لنا: أمَّا على أنه يفيد الحصر فلأنه لو لم يفد الحصر لأدى إلى الإخبار بالخاص عن العام، وأنه باطل.
  أمَّا الملازمة: فلأنه لا قرينة للعهد، وليس للحقيقة الكلية لامتناع الإخبار عنها، بل لما صدق عليه العالم، فلو فرض عالم غير زيد وهو عمرو مثلاً لصدق عليه العالم لكان العالم أعم من زيد وعمرو قد أخبرت عنه بزيد.
  وأما بطلان اللازم: فلأن الخبر الثابت للعام ثابت لجزئياته، فيلزم ثبوت زيد لعمرو، وإذا ثبت هذا بطل جعله للجنس، ولما صدق عليه مع بقائه على العموم، فوجب جعله لما صدق عليه مع بقائه بعد تخصيصه لما يصلح أن يحمل عليه زيد من معين، وما ذاك إلاَّ لجعله لمعهود ذهني وهو شخص كامل أو منتهي في العلم قد تصوره المخاطب وتوهمه، وأنت تعلم ذلك فتخبر عن ذلك الشخص المتصور الموهوم بأنه زيد.
  وأجيب أولاً: أن ما ذكرتم صحيح، ونحن نقول به، لكن لا يثبت مطلوبكم، بل ينافيه؛ لأنه لم يحصل حصر العالم في زيد بما قررتم، بل كون زيد كاملاً أو منتهياً في العلم، ويكون حاصله أن اللاَّم للمبالغة في علمه لا لحصر العلم فيه وهو منافٍ لما زعمتم.
  وثانياً: أنَّه يلزم في زيد العالم مثل ذلك، فيقال: يلزم الإخبار بالعام عن الخاص، وتبين أن العالم في زيد العالم ليس للعهد لعدم القرينة، ولا للجنس أي الحقيقة الكلية لامتناع حملها على زيد، بل لما صدق عليه، فلو صدق على غير زيد لكان أعم منه، ويمتنع حمل العام مع بقاء العموم على شيء من الجزئيات فيكون للكامل والمنتهي في العلم، ويتحد مع زيد في الوجود وهو معنى الحصر، وأمَّا أن دلالته مفهوماً لا منطوقاً فمما لا ينبغي أن يقع فيه خلاف للقطع بأن لا نطق بالنفي أصلاً.