فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  واحتج النافون: بأنه لو أفاد الحصر لأفاده العكس، وهو قولنا: زيد العالم وأنتم لا تقولون به.
  ثانياً: أن دليلهم في العالم زيد أن العالم لا يصلح للجنس وهو الحقيقة الكلية؛ لأن الإخبار عنها بأنها زيد الجزئي كاذب، ولا لمعين لعدم القرينة الصارفة إلى العهد فرضاً، فكان لما يصدق عليه الجنس مطلقاً، ويفيد أن كلما صدق عليه العالم زيد هو معنى الحصر، وهذا الدليل آت بعينه في قولنا: زيد العالم، والاشتراك في العلة توجب الاشتراك في الحكم.
  وأجيب: بأن في صورة التقديم الوصف مبتدأ محكوم عليه فيراد به الذات الموصوفة بالوصف العنواني، وفي صورة التأخير هو خبر محكوم به، فيراد به مفهوم ذات ما موصوفه بذلك الوصف، وهذا عارض للذات المخصوصة، وبهذا التقرير يندفع ما ذكرتم؛ لأن إيجاد زيد بحسب الذات الموصوفة يفيد الحصر بخلاف إيجاده مع عارض له، فإنه لا يمتنع اشتراك المعروضات فيه، واتحاد كل منهما بحصة منه، هذا معنى كلام العضد.
  قال السعد: والحق أنما ذكره إنما هو في الوصف النكرة مثل زيد عالم دون زيد العالم، فإن معناه الذات الموصوفة فرداً وجنساً كما في العالم زيد فيكون عدم الفرق ضرورياً.
  (فأما عكسه) وهو قولنا: زيد صديقي زيد العالم (فلا يفيد) الحصر، بشهادة الذوق والاستعمال، وقوله: (على الأصح) إشارة إلى خلاف أئمة المعاني فإنهم يجعلون هذا مثله السابق حتَّى قال صاحب المفتاح: المنطلق زيد، وزيد المنطلق، كلاهما يفيد حصر الإنطلاق على زيد.
  ووجه المناسبة: أنَّه لما كان ظاهراً في الجنسية والعموم على ما هو قانون الخطابيات، أفاد اتحاد الجنس مع زيد بحسب الوجود، ولا معنى للحصر إلا هذا.
  قال التفتازاني: وأمَّا المنطقيون فيأخذون الأقل المتيقن ويجعلونه في قوة الجزئية، أي بعض المنطلق زيد على ما هو قانون الإستدلال.
  هذا، وأنت خبير بأن الحجج على طرفي النقيض في هذه المسألة واهية، ولعمري إن الفريقين لو راجعا الذوق السليم والطبع المستقيم لأغناهما ذلك عن القيل والقال والجواب والسؤال، وعلى هذا علموا أن قول القائل: صديقي زيد يستدعي فيه جعل ما هو بالطبع محمول موضوعاً وما هو بالطبع موضوع محمولاً حصر صديقي في زيد بخلاف العكس، وهكذا في قولنا: العالم زيد