الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان مفهوم الخطاب هل هو حكم شرعي أولا؟

صفحة 625 - الجزء 1

  (والقائلون بدليل الخطاب والنافون له متفقون على أن للمنطوق به حكماً على حسب ما يقتضيه) اللفظ من إيجابٍ أو تحريم أو غيرهما.

  (و) متفقون (أنه) أي حكم المنطوق (غير ثابت للمسكوت عنه).

  (وإنما يختلفون) جميعاً في أنه (هل يتجدد للمسكوت عنه حكم من مفهوم الخطاب) لم يكن حاصلاً له من قبل (أو هو باقٍ على ما كان عليه) قبل ورود الخطاب (من عقل أو شرع) فأهل القول بمفهوم الخطاب يجعلونه حكماً شرعياً، ومن منع من ذلك لا يجعله حكماً شرعياً.

  قال القاضي عبد الله: مثال ذلك إذا قال النبي ÷ ابتداء قبل إيجاب الزكاة جملة «في الغنم السائمة زكاة» فإن الجميع يقولون لا يجب في المعلوفة زكاة؛ لأن المانع للمفهوم يقول: لا زكاة فيها؛ لأن العقل قاضٍ بذلك، ومن يقول: بالمفهوم يقول: لا زكاة فيها بالشرع مع العقل، وكأنه حين قال في السائمة زكاة تكلم بأن قال: وليس في المعلوفة زكاة، ثُمَّ الفائدة تظهر لو ورد خطابٍ بأن في المعلوفة زكاة بعد ذلك، فمن يقول بالمفهوم يقول إن إيجاب الزكاة في المعلوفة نسخ؛ لأنه أزال حكماً شرعياً وهو عدم الوجوب فيها، ويعتبر في ذلك شرائط النسخ.

  ومن يمنع المفهوم يقول: هو شرع مبتدأ ليس بنسخ، ولم يعتبر شرائط النسخ. انتهى.

  واختلف في المفهوم إذا اعتبر: هل يعتبر في الإنشاء والخبر جميعاً، او في الإنشاء فقط، وقد أشار إلى ذلك بقوله:

  (والأصح أن من اعتبره يعتبره في الإنشاء والخبر جميعاً، لا) أنَّه يعتبره (في الإنشاء فقط، خلافاً للإمام) يحيى (وابن الحاجب وغيرهما) فقالوا: إنمَّا يعمل به في الإنشاء فقط دون الإخبار.

  لنا: أن أئمة اللغة فهموا ذلك في الخبر (كقوله ÷) المخرج له الشيخان من طريق أبي هريرة «مطل الغني ظلم»، وكذلك قوله ÷ الراوي له عمرو بن الشريد عن أبيه، الثابت في البخاري تعليقاً، وفي سنن أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان «لي الواجد يحل عقوبته وعرضه»، أي مطل الغني ظلم يحل حبسه ومطالبته، فإنه قال أبو عبيدة: يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم، وأن لَيَّ غير الواجد لا يحل عقوبته وعرضه.

  وأيضاً: فلو قبل الفقهاء الحنفية فضلاً لأنكر ذلك الشافعية، وليس ذلك إلاَّ للدلالة عليه.

  قالوا: وجدنا ما هذا حاله ملغى، وما كان ملغى فهو لا يعمل به.