(فصل): [في معنى النسخ]
  (وعكس) أبو القاسم (البستي(١) من أصحابنا، والقفال، والحنفية) فقالوا: هو حقيقة في النقل مجاز في الإزالة.
  (وقال جمهور أئمتنا، وبعض المعتزلة، و) بعض (الأشعرية)، كالغزالي والباقلاني: بل النسخ في اللغة (مشترك بينها) أي بين النقل والإزالة، فيكون حقيقة فيهما معاً.
  (وتوقف بعضهم) في كونه مشتركاً أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر.
  لنا: أنه يقال: نسخت الريح آثار بني فلان إذا أعدمتها، ونسخت الشمس الظل إذا عدم؛ لأنه لا يحصل الظل في مكان آخر، فيظن أنه انتقل إليه، فالأصل في الكلام الحقيقة، وإذا ثبت كون اللفظ حقيقة في الإزالة وجب أن لا يكون حقيقة في النقل دفعاً للاشتراك.
  فإن قيل: وصفهم للريح بأنها ناسخة للآثار في الشمس بأنها ناسخة للظل مجاز؛ لأن المزيل للآثار، والظل هو الله تعالى، وإذا كان ذلك مجازاً امتنع الاستدلال به على كون اللفظ حقيقة في مدلوله.
  قلنا: لا نمنع أن يكون الله هو الناسخ لذلك من حيث فعل الشمس والريح المؤثر في تلك الإزالة، ويكونان أيضاً ناسخين لكونهما مختصين بذلك التأثير على أن أهل اللغة لو كان اعتقدوا أن الشمس هو الفاعلة للإزالة ثُمَّ أضافوا النسخ إليها لوجب اتباعهم في تسمية هذه الإزالة نسخاً ولا نتبعهم؛ في أن الشمس والريح فاعلان.
  واحتج البستي: بأنه قد ظهر على ألسنة أهل اللغة القول بالمناسخة في المواريث، فكان حقيقة في النقل ولم يجعله حقيقة فيهما دفعاً للاشتراك.
  قلنا: النقل أخص من الزوال، فإن النقل إعدام صفة وإحداث أخرى، وأمَّا الزوال فمطلق الإعدام، وكون اللفظ حقيقة في العام مجاز في الخاص أولى من العكس، فتكثر الفائدة.
  احتج القائلون بالاشتراك: بظهور استعماله في المعنيين، والأصل في الاستعمال الحقيقة؛ إذ لو كان حقيقةً في أحدهما لغلب استعماله فيه أكثر من الآخر
(١) هو إسماعيل بن أحمد بن محفوظ البستي، أبو القاسم الجيلي، الأستاذ الزيدي المتكلم الفقيه، أحد أساطين الشيعة، حافظ المذهب وشيخ الزيدية بالعراق، كان من أصحاب المؤيد بالله، وأخذ منه قاضي القضاة، وكان القاضي يعظمه، ناظر أبا بكر الباقلاني فقطعه، وإليه نسبة المذهب كما في تعاليق العلماء على الزيادات وعلى اللمع، توفي في حدود (٤٢٠) هـ.