الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  قلنا: قد بينا في غير موضع أن المجاز خير من الاشتراك.
  واحتج أهل الوقف: بأنه قد استعمل فيها، ويحتمل أنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، والقطع بأحدهما هجوم على ما لا نعلمه فوجب الوقف.
  والجواب: يعرف مما سبق.
  وأيضاً يلزمهم القول بالاشتراك: لأن بعد تسليم استعماله فيها لا يدفع ذلك باحتمال التجوز، وهذه الخلافات لفظية لا يعلق بها المعنى ولا لها ثمرة عائدة ولا جدوى.
  (واختلف فيه) أي النسخ (بعد استعمال الشرع له) هل هو باق على معناه اللغوي أو لم ينقل:
  (فقيل: باقٍ على معناه اللغوي من غير أن يكون منقولاً عنه إلى معنى آخر، كنقل الصلاة) فإنه باقٍ على معناه الغوي وهو الدعاء، وهذا القول عزاه الإمام يحيى إلى بعض الأصوليين.
  وقال (المنصور) بالله، (وأبو عبد الله البصري، والقاضيان) جعفر وعبد الجبار، (والحاكم: بل منقول عنه) أي المعنى اللغوي (بالشرع) فيكون على هذا حقيقة عرفية خاصة لا شرعية؛ لأن الشرعية ما كان بوضع الشارع لا بوضع أهل الشرع على ما تقدم.
  وقال (أبو هاشم والشيخ) الحسن: بل هو (منقول إليه) أي المعنى الشرعي (مع ملاحظة معناه اللغوي) فيما فيه من اللغة، أفاد مطلق الإزالة وبما فيه من الشرع قصر على إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعية على وجهٍ مخصوص.
  الأولون قالوا: المراد به في اللغة مطلق الإزالة، ولهذا قالوا: نسخت الشمس الظل وليس الظل بعين، وقد حصلت الإزالة المطلقة فلا نقل.
  وأجيب: بأن المراد به في اللغة إزالة الأعيان كما مثلناه، وفي عرف الشرع إزالة الأحكام الشرعية، وشتان ما بين هذا وذاك، وقد يمنع بأن المراد مطلق الإزالة كما عرفت.
  المنصور ومن معه، قالوا: التكاليف الشرعية تزول بالعمى والجنون والموت، ولا يقال: إنها نسخت عنه مع أن الإزالة قد حصلت.
  أبو هاشم: ثبت أن له في عرف الشرع شرائط لم يعتبرها أهل اللغة، لكن فيه مطلق الإزالة، فدل على النقل مع الملاحظة، ولا يتعلق بالتطويل كثير فائدة.