(فصل): [الفرق بين النسخ والبداء]
  إن قيل: إذا أمر الله سبحانه بفعل ثُمَّ نهى عنه رسوله صلى الله عليه في الحال فيلزم على هذا أن لا يكون بدلاً لاختلاف المخاطب.
  قلنا: إن الأمر والنهي في هذه الصورة بل كل ما أتى به الرسول ÷ مضاف إلى مخاطب واحد وهو الله تعالى، لكن بعضه متلواً وهو القرآن وبعضه غير متلو وهو ما جاء على لسان النبي ÷.
  قال الدواري ما حاصله: وما ذكره من شرائط البدا لا يصح؛ إذ قد يجمع هذه الأمور ولا يكون بدا بأن يكون في أحد الكلامين زيادة، وقد يكون بدا وإن نقص عن هذه بأن يطأ الأمر على حافر النهي والنهي على حافر الأمر من غير زيادة، والأولى أن يقال: البدا أن يرد أمر بعد نهي أو نهي بعد أمر من متكلم واحد على ما يتناوله السابق منهما بحيث لا يتفاوتان إلا في كون أحدهما أمراً، والآخر نهياً أو ما في حكمه.
  (والنسخ بيان انتهاء الحكم) كما عرفت في حده، فيجب فيه أن لا يتخذ ذلك، بل لأنه فيه من المغايرة إمَّا في جميع تلك أو بعضها.
  وإذا عرفت حقيقة كل منهما فاعلم أنّه (لا يجوز البدا على الله) إجماعاً؛ لأن البداء فرع الغفلة وهي لا تجوز عليه تعالى؛ لأنها عرض والله ليس محل للأعراض؛ لأن محلها هو الأجسام والله تعالى ليس بجسم، (خلافاً لبعض الإماميَّة) فقالوا: يجوز عليه، وهي شرذمة قليلة منهم لا تعد مقالتهم هذه نقضاً للإجماع لانعقاده بعدها، فإن هذه المقالة إنما أحدثها المختار بن أبي عبيد الثقفي من جملة ما أخذ به من البدع والضلالات، وقال الشريف الإمامي الموسوي: البدا الذي يقول به بعض الرافضَة وهو المراد بالنسخ.
  (وأنكرت اليهود النسخ) للشرائع (لاعتقادهم توقفه) أي النسخ (على البدا) الذي لا يجوز على الله تعالى أو يقتضي أن يصير الحق باطلاً وعكسه، (وهو عند أكثرهم) وهم الشمعونية (ممتنع عقلاً وشرعاً، وعند بعضهم) وهم العنانية ممتنع (شرعاً فقط، وجوزه بعضهم) وهم اليعقوبية (عقلاً وشرعاً)، واعترضوا نبوة محمد صلى الله عليه، لكن إلى العرب خاصة لا إلى الأمم كافة.
  لنا: على الجواز ما تقدم وعلى الوقوع أنه جاء في التوراة: أن آدم أمر بتزويج بناته من بنيه وقد حرم ذلك باتفاق وهو النسخ.