الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ

صفحة 15 - الجزء 2

  وابن الملاحمي والشيخ) الحسن، فمنعوا من النسخ إلا مع الإشعار عند الابتداء بالتكاليف بذلك المنسوخ مثل قوله تعالى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ١٥} {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ١}.

  لنا: أن المعلوم بالتتبع والاستقراء أن المنسوخ من آي الكتاب العزيز والسنة النبوية وقع النسخ لأكثرها من غير إشعار.

  قالوا: الظاهر الدوام لا سيما مع التقييد بالتأييد، والخطاب إنما يراد به فهم ظاهره، فلو لم يكن إشعار لكان قد لبس على المكلف وحمل على اعتقاد دوامه، وهو جهل قبيح وأنه لا يجوز من الله الإغراء به، فيجب الإشعار.

  قلنا: لا نسلم الاحتياج إليه؛ لأن لفظ الأمر حيث لا يعتد بذلك لا يقتضي الدوام لا لغة ولا عرفاً عاماً ولا خاصاً بأهل الشرع، فإذا اعتقد دوامه من غير دليل فقد أتى من قبيل نفسه لا من جهته تعالى، فلا يجب الإشعار.

  (ولا) يشترط أيضاً في صحة النسخ (البدل) للحكم المنسوخ (فيجوز النسخ لا إلى بدلٍ) لأن جواز انقضاء لمصلحة في التعبد بذلك الحكم والحال أنه لا يدل لها معلوم قطعاً، فإنه لا مانع من ذلك (عقلاً و) لا (سمعاً).

  وأيضاً فإنه لو لم يجز لم يقع وقد وقع (كوجوب صدقة النجوى) للرسول الثابت بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}⁣[المجادلة: ١٢]، فإنه نسخ ذلك إلى غير بدل، وكنسخ وجوب الإمساك بعد الفطر، فإن الرجل كان إذا أمسى جاز له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة، فإذا صلاها أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى القابلة، ثُمَّ نسخ ذلك بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}⁣[البقرة: ١٨٧]، الآية من غير بدلٍ، (خلافاً للأقل مطلقاً) يعني في الجواز والوقوع، فحكموا بأنه لم يقع ولا يجوز من الله ذلك، (و) خلافاً (لقوم في الوقوع) فقالوا: لم يقع.

  واستدل الأوَّلون على نفي الجواز: بأن في نسخ الحكم من غير بدلٍ تضييعاً للمصلحة واعتبارها واجب.

  قلنا: كما لا يجوز كون مثل العبادة مفسدة ببدلٍ يجوز كونه مفسدة لا ببدل فتكون المصلحة في عدم النزاع.