الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ

صفحة 16 - الجزء 2

  وهم والآخرون على نفي الوقوع: بقوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}⁣[البقرة: ١٠٦] ولا يتصور كونه خيراً أو مثلاً إلا في بدل.

  قلنا: المراد نأت بلفظ خير منها في الفصاحة والبلاغة لا بحكم خير من حكمها، والخلاف إنما هو في الحكم، ولا دلالة عليه في الآية، سلمنا أن المراد بحكم لكنه عام يقبل التخصيص، فلعله خص بما نسخ إلى غير بدلٍ، سلمنا بقاء العموم على ظاهره، فلعل النسخ إلى غير بدلٍ خير للمكلف لمصحلة علمها الله تعالى ولا نعلمها.

  (ولا) يشترط (التخفيف، فيجوز) النسخ للحكم الأخف (إلى أثقل، كعكسه) فلا يمنع كون المصلحة بالأشق، فيرد التكليف به كما إذا علم بغير المصلحة في الأشق نقلنا إلى الأخف، (ومساويه) فإنه يجوز نسخ أحد المتساويين في الآخر اتفاقاً، (خلافاً لداود) الظاهري (وبعض أصحابه، و) خلافاً (للشافعي في رواية) عنه، فقالوا: لا يجوز نسخ الأخف بالأشق.

  لنا: صحة كون المصلحة في ذلك كما لو ابتدأ بالتكليف به والمصلحة قد تكون بالأخف والأثقل، وربما علم الله أن المصلحة بالأشق بعد الأخف أكثر كما ينقلهم من الصحة إلى السقم، ومن الشباب إلى الهرم.

  وأيضاً لو لم يجز لم يقع، وقد وقع التخيير بين الصوم والفدية إذ كان هو الواجب أولاً في بدء الإسلام بقوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}⁣[البقرة: ١٨٤]، أي وعلى الذين يطيقون الصيام الذين لا عذر لهم إن أفطروا فدية، ثُمَّ نسخ بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}⁣[البقرة: ١٨٥]، ولا شك أن هذا أشق من التخيير، و (كنسخ) صوم يوم (عاشوراء) إذ كان هو الواجب (برمضان) ولا شك أن رمضان أشق.

  قالوا: أولاً النقل إلى الأشق نقل أبعد من المصلحة.

  قلنا: يلزمكم في أصل التكليف فإنه أبعد من البراءة الأصلية إلى ماهو أثقل، فينبغي أن لا يجوز، وإنه جائز اتفاقاً.

  قالوا: ثانياً: قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}، والنقل إلى الأشق بخلاف ذلك، فلا يريدَه.