الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في ثبوت الحكم المبتدأ والناسخ]

صفحة 19 - الجزء 2

  ولنا: أيضاً أنه لو عمل بالثاني قبل إعلامه وهو معتقد عدم شرعيته لأثم قطعاً، ولو ثبت حكمه لما أثم بالعمل به.

  قالوا: هذا حكم تجدد فلا يعتبر في إيجابه علمه به كسائر الأحكام المتجددة، فإنها واجبة علينا وإن لم نعلمها.

  قلنا: إنه يمتنع ثبوت الوجوب عليه دون علمه به، ويسند بأنه لا بد في الإيجاب عليه من اعتبار تمكنه من الامتثال، وإلا لزم تكليف المحال، لكن التمكن منتفٍ لانتفاء شرط امتثال الحكم، وهو العمل به؛ لعدم العمل بدليله، وهو الناسخ على ماهو الغرض، (وأمَّا بعده) أي بعد تبليغ جبريل إلى النبي # وتبليغ النبي إلى المكلفين فإنه يثبت ذلك الحكم إن كان مبتدأ ولا ينبغي أن يتوهم فيه خلاف وإن كان ناسخاً (فإمَّا أن يكون المنسوخ متكرراً) بأن يكون مما يفعل مرتين فصاعداً كالصلاة (أو لا) يكون متكرراً بأن يكون مما يجب فعله مرة واحدة كالحج:

  (فالأول) وهو الذي يكون متكرراً (إمَّا أن ينسخ بعد إمكان فعله) بأن يمضي وقت بعد الأمر يتسع للعمل فيه (أو قبله) أي قبل إمكان فعله، (إن كان بعد إمكانه) أي الفعل (جاز) لأن مثل الفعل يجوز أن يصير في مستقبل الأوقات مفسدة، ولا فرق في جواز ذلك في الفعل بين أن يعصي المكلف أو يطيع، والقول بأنه إذا عصى لا يجوز أن يصير مثل ما عصى فيه مفسدة فيما بعد كالقول بأنه إذا أطاع لا يجوز أن يصير مثله مفسدة، فإذا جاز أن يصير مفسدة فيما بعد جاز النهي عنه، وتبين لنا أن الأمر لم يتناوله، و (سواء كان قبل فعله أو بعده) أي الفعل (اتفاقاً) بين القائلين بالنسخ، أمَّا على قول الخصم فظاهر، وأمَّا على قولنا فالمقصود التمكن، وقد حصل.

  (وإن كان) الشيء المتكرر (قبل إمكانه) أي قبل إمكان فعله، كأن يقول: الصبح إذا كان وقت الزوال فصلوا ركعتين عبادة لله تعالى، ثُمَّ نهى عنه على هذا الحد (امتنع عند أئمتنا والمعتزلة وأكثر الفقهاء) كأكثر الشافعية وأصحاب أبي حنيفة، وبه قال الصيرفي من الأشاعرة.

  (وجاز عند جمهور الأشعرية وبعض الفقهاء، وروي عن المنصور) رواية شاذة ضعيفة، والذي نص عليه في صفوة الاختيار الأوَّل.