الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ

صفحة 20 - الجزء 2

  لنا: لو صح نسخ الشيء قبل إمكان فعله إذن لنهى عن نفس ما أمر به والعكس، فيكون بدا حيث تبين له من بعد القبح أو الحسن أو قصداً إلى النهي عن الحسن أو الأمر بالقبيح، وعبثاً حيث لم يتبين له مالم يكن عرفه مما ذكر، وكل من ذلك في حقه تعالى محال، فما أدى إلى المحال فهو محال.

  لا يقال: إن ذلك يشتمل على فائدة التكليف التي هي الابتلاء فيصير مطيعاً عاصياً بالعزم على الفعل والترك وبالبشر به وبالكراهة له، فيكون سبق الخاطبين موجهاً إلى العزم والآخر إلى الفعل، فلم يتواردا في محلٍ واحد، فلا يؤدي إلى ما ذكرتم.

  لأنَّا نقول: إن وجوب العزم فرع على وجوب المعزوم عليه، فإذا لم يجب لم يجب العزم عليه، فلا يطيع ولا يعصي به، سلمنا، فالتعبير عن العزم بالفعل إلغاز وتعمية إذا لم يوضع له ولا هو يفهم منه، وكذلك نقول حيث قيل: إنما يتأوَّل الأمر اعتقاد وجوبه.

  قالوا: إن كل نسخ قبل وقت الفعل، وقد اعترفتم بثبوت النسخ، فيلزمكم تجويزه قبل الوقت الذي يتمكن فيه من أداء الفعل.

  بيانه: أن التكليف بعد وقته محال لأنه إن فعل أطاع وإن ترك عصى فلا نسخ، وكذلك في وقت فعله؛ لأنه فعل وأطاع به ولا يمكن إخراجه عن كونه طاعة بعد تحققها.

  قلنا: إنَّما النزاع فيما قبل الوقت الذي قدره الشارع، والذي ذكرتم لنا إنَّما هو قبل مباشرة الفعل، فأين أحدهما من الآخر، فلا يحصل الإلزام.

  (والثاني): وهو غير المتكرر (ممتنع نسخه قبل إمكان فعله على الخلاف المذكور) في المتكرر، فعندنا ممتنع لما تقدم، وعند الأشعرية يجوز، مستدلين بما تقدم.

  زائد [على استدلالهم]: أن إبراهيم أمر بذبح ولده ونسخ عنه قبل التمكن من الفعل، أمَّا الأول فبدليل قوله تعالى {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ولأنه أقدم على الذبح وترويع الولد، ولو لم يكن مأموراً لكان ذلك ممتنع شرعاً وعادَةً، وأمَّا الثاني فلأنه لم يفعل، فلو كان مع حصول الوقت لكان عاصياً.

  قلنا: مسلم أن إبراهيم أمر بالذبح، لكن لا نسلم أنه قبل التمكن، بل نقطع بأنه تمكن من الذبح وإنما امتنع لمانع من الخارج، وأمَّا كونه قبل الفعل فالنسخ لا يكون كذلك؛ إذ لا يتصور نسخ ما مضى على أن بعضهم ذهبَ إلى أنَّ هذا ليس بنسخ؛ إذ لا رفع هنا ولا بيان للانتهاء، وإنما هو استخلاف، وجعل ذبح الشاة بدلٌ عن ذبح الولد إذ الفداء اسم لما يقوم مقام الشيء