الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  في قبول ما يتوجَّه عليه من المكروه يقال: فديتك بنفسي، أي قبلت ما يتوجَّه عليك من المكروه، ولو كان ذبح الولد مرتفعاً لم يحتج إلى قيام شيء مقامَه(١)، وحيث قامَ الخلف مقامه لم يتحقق ترك المأمور به حتَّى يلزم المثل.
  فإن قيل: هب أن الخلف قام مقام الأصل، لكنه استلزم حرمة الأصل، أعني ذبح الولد وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا محالة.
  فجوابه: أنا لا نسلم كونه نسخاً، وإنما يلزم لو كان حكماً شرعياً وهو ممنوع فإن حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل، فزالت بالوجوب، ثُمَّ عادت بقيام الشاة مقام الولد، ولا يكون حكماً شرعياً حتَّى يكون ثبوتها نسخاً للوجوب.
  (وأمَّا بعده) أي بعد إمكان الفعل (فالمجوزون) للنسخ قبل إمكان الفعل (وبعض المانعين من ذلك) بنوا (على صحته كالمتكرر، و) بنى (بعضهم على منعه).
  فالأوَّلون: لأن نسخ الحكم الشرعي ممكن في المتكرر فكافئ غيره.
  والآخرون: لأن النسخ إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي، وهذا إنما يكون في المتكرر، فأمَّا غيره فلا مثل له حتَّى يزول، فالمراد في غير المتكرر إمَّا نفس الحكم أو ضده أو مخالفه، الأول محال؛ لأنه بدا، والثاني كذلك إذا كان يلزم بقاء المنسوخ على المكلف؛ لأنَّه إنما أزيل ضده لا هو وذلك باطل؛ إذ النسخ يقتضي رفع المنسوخ، وأيضاً لا معنى لنسخ الضد في هذه الصور؛ إذ لا مناسبة بينه وبني ضده، ولا اشتباه بخلاف الضد في الصورة المتكررة، فإنه قد يشتبه في الصورة كالحركة في الأماكن المختلفة، فإنها متضادة في الحقيقة متشابهة في الصورة، فصح النسخ فيها، والثالث أيضاً محال بما ذكر في الثاني؛ لأن المخالف إنما هو العزم عليه، فإذا تعلق النسخ به لزم ما ذكر قطعاً، هكذا ذكره ابن أبي الخير شارح الجوهرة.
  وادَّعى (الإمام) يحيى (وغيره بالاتفاق) من العلماء (على جواز نسخه) لما ذكر الأولون.
(١) في هامش النسخة (أ) مالفظه: قلنا: إتلاف اختيار وإن حسن الإبتداء به، ولا بد من توجيه للكلام كما هو معروف عند من يقول باللطف، وكذا عند القول بالأصلح. تمت.