(فصل): (فيما يجوز نسخه وما لا يجوز نسخه من الأحكام)
(فصل): (فيما يجوز نسخه وما لا يجوز نسخه من الأحكام)
  (وهي) أي الأحكام عندنا (قسمان):
  أحدهما: (شرعي: ليس للعقل فيه قضية سابقة) كالصلاة والزكاة وكشف الرأس عند الإحرام والسعي (و) هذا القسم (يجوز نسخه باتفاق) بين العلماء العدلية والقدرية؛ لأن النسخ يتطرق إلى الأحكام الشرعية.
  (و) الثاني من القسمين: (عقلي: وهو نوعان):
  أحدهما: (ما قضى العقل فيه بقضية مبتوتة) بمعنى أن الحكم العقلي من وجوبٍ أو غيره لا يجوز تغييره، وقد تسمى مطلقة، والقضية المبتوتة إمَّا:
  (ضرورية) لا تنتفي بشك ولا شبهة (كشكر المنعم) فإن العقل بضرورته يهتدي إلى حسنه (وقبح الظلم) وهو كذلك.
  (أو استدلالية) تنتفي بشك أو شبهة (كمعرفة الله تعالى) فإن العقل قد قضى بوجوبها بعد الاستدلال إمَّا لكونها لطفاً في الواجبات واجتناب المقبحات من حيث أن العقل يقضي أن المكلف إذا عرف أن له خالقاً إذا أطاعه أثابه وإذا عصاه عاقبه، فيكون ذلك أقرب إلى ما ذكر هنا مع قولنا أن الواجبَات ألطاف، وأمَّا إذا قلنا أنها شكر فلأن جهل المنعم قبيح؛ لأنه يستلزم الإخلال بشكره، (وهو) أي النوع من العقلي (عقلي، وإن طابقه السمع) لعراقته في العقلية وكون السمع موافقاً له لا يقتضي أنه ليس بعقلي.
  (و) هذا النوع من العقلي (لا يجوز نسخه) لأنه لو كان يجوز نسخه لكان يجوز نسخ وجوب معرفة الله ونسخ عبادة الوثن، ولكان يجوز نسخ قبح الظلم والكذب والجهل، فلما علمنا بطلان ذلك دل على فساده (فإن خالفه) أي إن خالف السمعُ العقلَ (قطع بوضعه) أي وضع السمعي المخالف، وذلك كتعذيب الأطفال، وأن الله يكلف الإنسان ما لا يطيق؛ لأنه دليل قاطع لا يجوز تغييره بحال (إلاَّ أن يمكن تأويله) بما يوافقه العقل، فإنه لا يقطع بكذبه كأحاديث الرؤية وغيرها فإنه يمكن تأويلها بما يوافق العقل، وإذا كان كذلك حملناه على ما يصح جمعاً بين الدليلين.
  (وما قضى فيه العقل بقضية) من تحسين أو تقبيح، لكن لا مبتوتة بل (مشروطة) بشرط وذلك (كالذبح) فإن العقل يقضي بقبحه بشرط أن لا يكون للبهائم في ذلك عوض يزيد على مضرتها،