(فصل): [نسخ الإنشاء والخبر]
  (وأمَّا الخبر) فالناس فيه ثلاثة أصناف، صنف أجازه مطلقاً، وصنف منعه مطلقاً، وصنف فصل فيه وهو أبو الحسين والإمام والقرشي والحفيد ومتابعوه والمصنف، وإذا أردت معرفة التفصيل فقالوا:
  لا يخلوا إمَّا أن يكون الخبر بمعنى الإنشاء أو لا (فإن كان بمعناه) وذلك حيث تكون فائدته حكماً شرعياً، وذلك الإخبار عن وجوب الحج وانتظار إيسار المعسر وتربص المطلقات وسائر ما أخبر الله تعالى بوجوبِه من الأحكام (جاز) نسخه (عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (خلافاً لبعض التابعين والدقاق) فمنعوا من نسخه.
  لنا: أنه بمعنى الإنشاء، وقد جاز نسخه ولا فرق بين قولنا: صلوا وقت الظهر أربعاً، وبين قولنا: الصلاة وقت الظهر أربعاً واجبة.
  قالوا: يوهم الكذب لأن المتبادر منه إلى فهم السامع إنما هو استيعاب المدَّة المخبر بها وإيهام القبيح قبيح.
  قلنا: ونسخ الأمر أيضاً يوهم البدا وهو ظهور الشيء بعد خفائه، فلو امتنع نسخ ذلك للإيهام لامتنع هذا أيضاً.
  (وإن لم يكن) الخبر (بمعناه، فإن نُسخ التكليف بالإخبار به أيضاً) من دون تكليف بالإخبار بنقيضه (جاز) نسخ الخبر، (سواء كان مما يتغير مدلوله) كأن يأمرنا الله أن نخبر عن زيد بأنه مؤمن، ثُمَّ ينهانا عن ذلك، (أوْ لا) يكون مما يتغير مدلوله كأن يأمرنا الله بأن نخبر بأنه سميع بصير عدل حكيم، ثُمَّ ينهانا عن اللفظ بذلك، وسواء كان الذي لا يتغير مدلوله (ماضياً) كالإخبار بأن الله أهلك عاداً وثموداً ثُمَّ ينهانا الله عن التلفظ به، (أو مستقبلاً) كالإخبار بأنه تعالى يعاقب العصاة ويثيب المؤمنين، ثُمَّ ينهانا عن ذلك، وذلك لأن الأخبار إذا كانت على هذه الصفة يجوز أن يكون فيها مفسدة في بعض الأوقات، كما كانت قراءة القرآن مفسدة في حال الحيض.
  (وإن نسخ ذلك) أي الخبر الذي ليس في معنى الإنشاء (بالإخبار بنقيضه) كأن يأمرنا الله بخبر عن أمر بشيء ثُمَّ عنه بنقيضه (جاز) نسخ ذلك الخبر (عند أئمتنا والمعتزلة) لكن (فيما يتغير مدلوله) كالإخبار بإيمان زيد، ثُمَّ نسخه بالإخبار بكفره، ولا إشكال في جواز هذا (دون ما لا يتغير) مدلوله عن حاله أو وقوعه كالإخبار بأن الله تعالى أهلك عاداً ثُمَّ الإخبار بأن الله ما أهلكهم، فإن نسخ هذا لا يصح لاستحالة التغيير وعرفان الكذب ووضوحه، وهو لا يجوز على الله (وجوزه الأشعرية مطلقاً)