(فصل): [نسخ الإنشاء والخبر]
  المؤلف إلى بيان الخلاف بقوله:
  (ويمتنع عند أئمتنا والمعتزلة نسخ التكاليف العقلية كما تقدم) تحقيقه (خلافاً للأشعرية)، فقالوا: ما من حكم إلا ويجوز نسخه (إذا التكاليف عندهم كلها شرعية) وإذا كان كذلك (فتقبله) أي النسخ.
  قال الإمام: والخلاف لفظي: لأنا لو سلمنا لهم أَنَّها شرعية جوزنا نسخها، ولو سلموا لنا أنها عقلية منعوا نسخها، (وهي) أي مسألة نسخ التكاليف العقلية (فرع التحسين والتقبيح) العقليين، فمن أثبته نفى النسخ لها، ومن نفاه أثبته، وسيأتي إنشاء الله الكلام في أصل المسألة.
  (وكذا) يمتنع عند أئمتنا والمعتزلة (نسخ جميع التكاليف الشرعية لا إلى بدلٍ)، وإنما امتنع نسخ جميع التكاليف: (إذ هي شكر) عند الإمام الهادي إلى الحق، والقاسم، والبغدادية، نص عليه الهادي في كتاب البالغ المدرك، وشَرَحَه أبو طالب ولم يتأوله، ونص عليه عبد الله بن زيد في المحجة البيضاء، وحكى في شمس الشريعة عن أبي مضر أنَّ هذا مذهب أهل البيت، دليلهم على ذلك قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}.
  (أو ألطاف) عند غير البغدادية من المعتزلة، ومتأخري العترة ممن جنح إلى الإعتزال، فعندهم أن الواجبات الشرعية إنما وجبت لأنها لطف في الواجبات العقلية، بمعنى أن الله تعالى علم أن من فعل واجباً شرعياً فعل واجباً عقلياً، والمحرمَات الشرعية مفاسد في العقلية على معنى أن من فعل محرماً شرعياً فعل محرماً عقلياً، وقد ألزموا أن من سكر من الخمر قبح موته حتَّى يصحو ويفعل قبيحاً عقلياً، فمن أوصل السكر كان في أمان من الموت حتَّى يصحو وحتى يرتكب قبيحاً عقلياً بعد صحوه، وكذا من فعل واجباً شرعياً كان في أمان من الموت حتى يفعل واجباً عقلياً، وبالجملة فعلى كل من التقديرين يمتنع النسخ، لأنها إن كانت شكراً لزم الإخلال بشكر المنعم الواجب عقلاً، وإن كانت ألطافاً فهي عند من يثبتها واجبة على الله تعالى، فيلزم من ذلك أن يخل بواجب وأنه محال.
  (خلافاً للأشعرية) فقالوا: يجوز ذلك بناء على أصل فاسد من أن الطاعات ليست شكراً ولا لطفاً، وإنما الله يحكم في خلقه بما يريد، فلا يستحيل أن يتعبدهم بها وقتاً ما ثُمَّ يزيلها، (إلا الغزالي) منهم (فمنعه) لتوقف العلم بذلك المقصود منه بتقدير وقوعه على معرفة النسخ والناسخ وهي من التكاليف، فلا يتأتى نسخها أصلاً، (و) هذا الخلاف إنما هو في الجواز بمعنى هل يجوز