الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  رواه أبو أمامَة الباهلي وأخرجه الترمذي وحسنه، وأبو داود وابن ماجة، وأحمد وحسنه، وقواه ابن خزيمة وابن الجارود، ورواه الدار قطني من حديث ابن عباس، وزاد في آخره: «إلاَّ أن يشاء الورثة»، قال ابن حجر: وإسناده حسن، فإذا نُسخ وجوبُها الثابت بقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} بالحديث المذكور نُفِيَ الجواز، (خلافاً للمؤيد) بالله (والشافعي) والغزالي.
  وصورة المسألة: أن يقول الشارع نسخت الوجوب أو حرمت الترك أو رفعت ذلك، والمراد بالجواز وهو التخيير بين الفعل والترك، فيكون الخلاف معنوياً.
  قلنا: إن المقتضي للجواز قائم، والمعارض الموجود لا يصلح مزيلاً، فوجب بقاء الجواز، وإنما قلنا أن المقتضي قائم؛ لأن الجواز جزء من الوجوب، والمقتضى للمركب مقتضي لمفرداته، وإنما قلنا إن الجواز جزء من الوجوب؛ لأن الجواز عبارة عن رفع الحرج عن الفعل، والوجوب عبارة عن رفع الحرج عن الفعل مع إثبات الحرج في الترك، ومعلوم أن المفهوم الأول جزء من المفهوم الثاني، وإنما قلنا إن المقتضى للمركب مقتضى لمفرداته؛ لأنه ليس المركب إلا غير تلك المفردات، فالمقتضي للمركب مقتضي لتلك المفردات.
  فإن قلت: المقتضي للمركب مقتضي لتلك المفردات حال اجتماعها، فلم قلت إنه يكون مقتضياً لها حال انفرادها.
  قلنا: تلك المفردات من حيث أنها هي غير، ومن حيث أنها مفردة غير، ونحن لا ندعي أنها من حيث أنها مفردة داخلة في المركب، وكيف يقال ذلك وقيد الانفراد يعاند قيد التركيب، وأحد المعاندين لا يكون داخلاً في الآخر، ولكنا ندعي أنها من حيث أنها هي داخلة في المركب فيكون المقتضي لتلك المفردات من حيث أنها هي، لا من حيث أنها مفردة.
  وإنما قلنا: أن المعارض لا يصلح معارضاً؛ لأن المعارض يقتضي زوال الوجوب، والوجوب ماهية مركبة، والماهية المركبة يكفي في زوالها زوال أحد قيودها، وزوال الوجوب يكفي فيه إزالة الحرج عن الترك، ولا حاجة فيه إلى إزالة جواز الفعل، فيثبت أن المقتضي للجواب قائمٌ، والمعارض لا يصلح مزيلاً.
  لا يقال: الجواز الذي جعلتموه ماهية الوجوب هل هو الجواز، بمعنى رفع الحرج عن الفعل فقط، أو بمعنى رفع الحرج عن الفعل والترك معاً.