الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  (لا) أنه يجوز نسخ (المتواتر بالآحادي) من السنة، (خلافاً للظاهريَّة وبعض الفقهاء) وهو مقتضى كلام المؤيد بالله وأبي جعفر في جوابهما على من ادعى أن المتعة كانت معلومة وناسخها ظني بالتزام ذلك، فهؤلاء قالوا: يجوز ذلك.
  (وقال الإمام) يحيى: إنه (يجوز) نسخ المتواتر بالآحاد (في حياته ÷ لا بعد وفاته) فوافقنا فيه.
  لنا: أن المتواتر قاطع والآحاد مظنون، والقاطع لا يقابله المظنون.
  وقد يقال: إذا جازَ تخصيص القاطع بالآحاد جاز نسخه به والجامع كونهما تخصيصين وكون أحدهما في الأعيان والآخر في الأزمان لا يصلح فارقاً؛ إذ لا أثر له.
  قالوا: نسخ المتواتر بالآحاد قد وقع وهو أن التوجه إلى بيت المقدس كان متواتراً ونسخ بالآحاد، وهو أن أهل مسجد قد سمعوا مناديه ÷ إلا أن القبلة قد حولت فاستداروا وتوجهوا ولم ينكر عليهم الرسول ÷.
  قلنا: لعله حصل لهم القطع في الخبر لانضمام القرائن إليه، فقد يفيد خبر الواحد العلم حينئذ؛ لأن نداء منادي الرسول بحضرته على الأشهاد في مثل هذه العظيمة قرينة صادقة عادة، ويجب المصير إلى ما قلنا؛ لئلا يلزم ترك القاطع للمظنون، وقد يثبت أنه لا يصلح.
  قال الإمام الحسن: وقد يمنع إفادة الخبر الآحادي مع انضمام القرائن إليه للعلم، فإن المسألة خلافية، وإن سلم فذلك احتمال بعيد؛ إذ لم يمض قبل فعلهم وقت يمكنهم فيه فهم من إنكار على المنادي وعدمه، فإنه لا يحصل ما ذكرتم إلا بعد علم عدم الإنكار، وأيضاً فقد عرفت أن الاحتمال البعيد لا يرفع الظهور، وأنه لو أعيد بمثل هذا الاحتمال لا نسخت على كثير من الأحكام؛ إذ نال الاختلال، ولا يلزم أنه ترك القاطع بالمظنون، فإن المتروك هو الإستمرار، وليس بقطعي. انتهى.
  الإمام قال: إنا نقطع بتتبع الآثار وأن الرسول عليه الصلاة والسلام وآله كان يبعث الآحاد إلى النواحي لتبليغ الأحكام مطلقاً مبتدأة أو ناسخة لا يفرق بينهما، والمبعوث إليهم متعبدون بتلك الأحكام، وربما كان في الأحكام ما ينسخ متواتراً؛ لأنهم لم ينقلوا الفرق وهو دليل جواز النسخ للمتواتر بالآحاد في حياته.