الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في نسخ القرآن بالسنة الفعلية]

صفحة 37 - الجزء 2

  تحليل فعلٍ، ويقتضي الآخر تحريمه إلى غير ذلك كما علمنا في الأقوال المتعارضَة وهذه القضية لا تصح في الأفعال، (إذ لا دلالة للأفعال) على الأحكام الشرعية (لمجردها) من دون أن نعرف الوجه الذي يقع عليه وإنما يستفيد إحكامها من وجوب وندب وإباحة أو حضر بما يقترن بها وليس في صورها ما يدل على ذلك (حتَّى يقع فيها التعارض) فيعلم الناسخ من المنسوخ، ألا ترى أن ما هو واجب ومندوب يجوز أن يكون على صورته ما هو قبيح كالسجود لله تعالى والسجود لصنم.

  وغاية ما في ذلك أن يقال: إن التعارض يثبت في أفعاله بأن يفعل شيئاً في وقت ويفعل ضده في غير ذلك الوقت أو يفعله فيه ويتركه في مثله وذلك ليس بتعارضٍ؛ لأن الفعلين قد يكونان معاً حسنين أو واجبين، وإن كانا ضدين كالصلاة في بقاع المسجد، وليست أفعاله # مقتضية للوجوب بنفسها، بل إنما يستفاد الوجوب منها بأدلةٍ يقترن بها على ما يأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى، فإذا لم تكن مقتضية للوجوب لم يكن تركه لذلك الفعل في مثل ذلك الوقت مقتضياً لزوال حكمه؛ لأنه يجوز ترك ما ليس بواجبٍ - أعني أن جواز الإخلال بالفعل قد كان ثابتاً من قبل الترك - إذ رجعنا إلى صورة الفعل فقط، فلا يكون جواز الإخلال إنما يثبت بتركه صلى الله عليه مثل ذلك الفعل من بعد، أو نقول بأن التعارض يثبت فيها بأن يفعل الشيء وضده في وقت واحد، أو يفعل الشيء ويتركه في وقت واحد، وذلك محال، ولو صح فليس بتعارض لما ذكرناه.

  وقد يقال: لو لم يصح نسخ فعله بفعله مطلقاً لما جاز النسخ بالفعل ونسخه، فما يلزم في نسخ الفعل بالفعل يلزم في نسخ القول بالفعل؛ لأنه إنما امتنع ذلك من حيث أنه لا ظاهر للفعل فيستفاد منه حكم بل ذلك لما يقترن به، وهذا يوجب أن لا يكون الفعل ناسخاً؛ لأن فائدة الفعل لِمَا يقترن به لا لنفسه، ولا منسوخاً؛ لأن الفائدة لم تكن حصلت عنه، بل عما لم يقترن به، فكما لم يمنع ذلك من نسخ الفعل والنسخ به كذلك في مسألتنا.

  وقال (المنصور) بالله (وأبو رشيد: بل تتعارض) الأفعال (فينسخ بعضها ببعض) بناء على مذهبهما أن أفعال النبي ÷ ظاهرها الوجوب وفعلها كالنطق بذلك، فيقع التعارض والنسخ بتركها، وتركها كالنطق بأنَّها غير واجبة فكان ذلك نسخاً.

  قالا: ولهذا فإن الإمام إذا ركع وسجد المأموم كان في ذلك مخالفة له ومنافاة لفعله وهو واقع في الأفعال عند أهل البيان العربي، قال بعضهم في منافاة الأفعال: