(فصل): [في النسخ بالإجماع]
  الحسين الطبري وأبي عبد الله فيهما) أي في نسخ الإجماع والنسخ به، فإنهما أجازا ذلك في الطرفين معاً، (و) خلافاً (لأبي علي والقاضي) عبد الجبار استقربه في تدريس العمد (وابن أبان في النسخ به) فقط قالوا: يصح النسخ به دون نسخه فلا يصح.
  لنا: لو نسخ، فإما بدليل قاطع، أو بإجماع قاطع، أو بغيرهما، وكل ذلك باطل:
  أما الأول: فلأنه يلزم أن يكون الإجماع على الخطأ، لأنه على خلاف القاطع، وهو محال.
  وأما الثاني: فلأنه يلزم منه خطأ أحد الإجماعين، المنسوخ أو الناسخ، لأنه على خلاف القاطع، وهو محال.
  وأما الثالث: فلأنه أبعد مما قبله، للإجماع على تقديم القاطع على غيره، فيلزم خطأ هذا الإجماع، مع تقدم الأضعف على الأقوى، وهو خلاف المعقول.
  ولو ثبت النسخ به، فالإجماع إما أن يكون عن نص أو لا، وعلى كلا التقديرين فلا ينسخ به:
  أمَّا إذا كان عن نصٍ فلأن النص حينئذ هو الناسخ.
  وأمَّا إذا لم يكن عن نص فالأول إن كان قطعياً لزم الإجماع على الخطأ وإنه باطل، وإن كان ظنياً لم يبق مع الإجماع على خلافه دليلاً؛ لأن شرط العمل به رجحانه وإفادته للظن، وقد انتفى معارضة القاطع له وهو الإجماع، فلا يثبت به حكم، فلا يتصور دفع فلا نسخ.
  قالوا: وجد في الإجماع معنى النسخ وذلك (كما إذا اختلفت الأمَّة على قولين في مسألة فهو إجماع على أنها) مسألة (اجتهادية)، لأنه يجوز الأخذ بكليهما ثُمَّ يجوز إجماعهم على أحد القولين، (فإذا أجمع أهل العصر الثاني على أحدهما نسخ الأول بالثاني) لبطلان الجواز الذي هو مقتضى ذلك الإجماع، فقد نسخ الإجماع ونسخ به.
  قلنا: لا نسلم جواز ذلك؛ لأنه مختلف فيه، سلمنا فلا يكون نسخاً؛ لأن الإجماع الأول مشروط بعدم الإجماع الثاني.
  قال ابن عباس لعثمان: كيف يحجب الأم بالأخوين، وقد قال تعالى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}[النساء: ١١]، والأخوان ليسا أخوة فقال: حجبها قومك يا غلام، وهذا تصريح بإبطال حكم القرآن بالإجماع وهو النسخ.