الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ

صفحة 42 - الجزء 2

  وقال (بعض الشافعية: يجوز) النسخ بالقياس (مطلقاً) كذلك وهذا القول لابن سريج والسبكي؛ لأنه قد جاز التخصيص بالقياس، فكذا النسخ لاشتراكهما في أن كل واحدٍ منهما بخلاف ما يقضي به ظاهر اللفظ.

  قلنا: هو منقوض بالفعل والإجماع وخبر الواحد، فإن ثلاثتها يخص بها ولا ينسخ بها اتفاقاً بيننا وبينكم وإن نازع غيرنا في الإجماع وخبر الواحد وجعل بعضهم العقل ناسخاً ومحلول بأن النسخ رفع وإبطال، فالتخصيص دفع وجمع بين الدليلين.

  وقال (بعضهم) وهو أبو القاسم الأنماطي: (إن كان) القياس (جلياً) قيل: وهو القياس المعنوي دون قياس الشبه، جاز النسخ به (لا) إذا كان (خفياً)، فإنه يمتنع النسخ به؛ لأن الجلي كالنص لجلائه فجاز النسخ به.

  قلنا: لم يفصل دليل المنع.

  وقال (ابن الحاجب: يمنعان) أي نسخه والنسخ به (إن كان القياس ظنياً) أما نسخه فلأن ما بعده لا بد أن يكون قطعياً أو ظنياً راجحاً، وأي ما كان فقد بان زوال شرط العمل به وهو ألا يعارضه أرجح منه أو مساوٍ له، فلا حكم له في الزمان الذي ظهر فيه الراجح فلا دفع لحكمه، فلا نسخ، وأمَّا النسخ به فلأن ما قبله إن كان قطعياً لم يجز نسخه به؛ لأن نسخ المقطوع بالمظنون عند الجمهور غير جائز، وإن كان ظنياً تبين زوال شرط العمل بذلك، والظني المتقدم على القياس الظني، وذلك الشرط هو رجحان ذلك الظني بما لا يظهر له معارض براجح أو مساوٍ؛ إذ بمجرد المعارض المساوي تبطل ظنيته، فكيف بالراجح، والقياس الظني راجح؛ لأنا فرضنا ناسخاً فيبطل وجوب العلم بالمتقدم، لانتفاء شرطه فلايكون القياس ناسخاً، وقد يمنع كون ما ذكره نسخاً كما مر توضيحه، (لا إذا كان) القياس (قطعياً فينسخ) القياس القطعي بالقطعي من نص أو قياس (في حياته ÷) وصورة ذلك: أن ينسخ حكم الأصل بنصٍ مشتمل على علة متحققة في الفرع فينسخ حكم الفرع أيضاً بالقياس على الأصل، فيتحقق قياس ناسخ وآخر منسوخ، مثاله أن تثبت حرمة الربا في الذرة بالقياس على البر منصوص العلة، ثُمَّ بنسخ حرمة الربا في البر مع النص أيضاً في ذلك على علةٍ متحققة في الذرة، فيقاس وترتفع حرمة الربا فيهما إذا كان القياس القطعي (بعد وفاته) ÷ فإنّه نسخاً؛ إذ لا طريق للأمة إلى ذلك لجهلها بالمصالح والمفاسد.