الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في نسخ الأصل والفحوى]

صفحة 45 - الجزء 2

  وجوب استقامة المائة للمائتين، والفحوى وجوب استقامة الواحد للاثنين فيجوز عندهم نسخ وجوب استقامة الواحد للاثنين دون الأصل، وهو وجوب استقامة المائة للمائتين، وأنت خبير بأن هذا المثال لا مساواة فيه، ألا ترى أنه يخالف حكمَ الجملة حكم الآحاد، فإن العسكر متألف من الأفراد، وهو يغلب ويفتح البلاد دون كل شخصٍ على انفراده، ولهذا قالوا: إذا بلغ عسكر المؤمنين اثني عشر ألفاً لم يجز توليهم، وإن كثر عدد الكفار وزاد على مثلهم ولو اعتبر ذلك لما كان الأمر كذلك، ويؤيد هذا قوله تعالى {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا}⁣[الأنفال: ١٥]، فإن فيه اشتراط أن يكون كل القبيلتين زحفاً، أي كثيرين، والخطاب للذين آمنوا لا لكل فردٍ منهم.

  (و) روي (عن القاضي) عبد الجبار في نسخ الفحوى دُون أصلها (الأقوال الثلاثة) الماضية، الإطلاقان والتفصيل، فقال في الشرح: لا يجوز إذا كان في معنى الأولى، وقال في (العمد): يجوز. وقال في التدريس: لا يجوز، وقطع على ذلك.

  لنا: أن تحريم التأفيف ملزوم لتحريم الضرب ونسخ الفحوى دون الأصل معناه بقاء تحريم التأفيف وانتفاء تحريم الضرب، وهو وجود الملزوم مع عدم اللازم، وأنه محال، وقد يعترض بأن المعتبر في الدلالة الالتزامية اللزوم في الجملة بمعنى الانتقال إليه، وهو لا يوجب اللزوم في الحكم، ولو سلم فعند الإطلاق دون التنصيص كما إذا قيل: اقتله ولا تستخف به.

  المجوزون قالوا: إفادة اللفظ للأصل والفحوى دلالتان متغايران، فجاز رفع كل واحدة منهما بدون الأخرى ضرورة.

  قلنا: لا نسلم دلالة التغاير على جواز رفع كل واحدة منهما دون الأخرى، وإنما يصح ذلك إذا لم يكن أحد الغيرين مستلزماً للآخر.

  المفصلون قالوا: جواز ذلك في الذي بمعنى الأولى يؤدي إلى المناقضة لتعليل الأصل بخلاف ما إذا لم يكن أولى، فإنَّه لا مناقضة فيه.

  قلنا: أما الأول فصحيح مسلم، وأما الثاني فغير مسلم لما قدمناه أيضاً.

  (و) الفحوى (ينسخ بها) غيرها من الأدلة، قال: لأن دلالته إن كانت لفظية فلا كلام، وإن كانت عقلية فهي يقينية، فيقتضي النسخ لا محالة.