فصل: [في دلالات اللفظ]
  ينبغي أن تقيد الدلالة بما يكون للوضع مدخل فيها، احترازاً عن الدلالة الطبيعيَّة والعقليَّة؛ لأن الدلالة الوضعيَّة هي التي تنقسم إلى هذه الثلاثة الآتية بخلافِ دلالة الطبع كأح، ودلالة العقل كما إذا سمعت من وراء الجدار كلاماً، فإنه يدل على وجود اللافظ، والمقصود بالنظر هاهنا هي التي يكون للوضع مدخل فيها لعدم انضباط الطبيعيَّة والعقليَّة، ولاختلافها باختلاف الطباع والأفهام، ويمكن أن يعتذر للمصنف بأنَّه ترك التقييد للوضوح، إذا عرفت هذا فنقول:
  دلالة المفرد التي يكونُ للوضع مدخل فيها (على ما وضع له) تسمى (مطابقة)، وتسمى دلالة مطابقة أيضاً، لمطابقة الدال المدلول(١)، وذلك (كدلالة عشرة على خمستين) أي على مجموعهما.
  (و) دلالته (على جزئه) أي جزء معناه، (تضمُّن)، وتسمى دلالة تضمن أيضاً، لتضمن المعنى لجزئية المدلول، (كدلالتها) أي العشرة (على خمسة).
  (و) دلالته (على اللازم) أي لازم معناه، (التزام) وتسمى دلالة التزام أيضاً، لالتزام المعنى أي استلزامه المدلول(٢)، وذلك (كدلالتها) أي العشرة (على كونها زوجاً).
  فإن قيل: إذا كان اللفظ مشتركاً بين الجزء والكل واللازم، كلفظ الشمس المشترك مثلاً بين الجرم والشعاع ومجموعهما، فالجرم جزء، والشعاع لازم، والمجموع كل، فإذا أطلق على المجموع مطابقة، واعتبر دلالته على الجرم تضمناً، والشعاع التزاماً، فقد صدق على هذا التضمن والالتزام أنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له، وإذا أطلق على الجرم والشعاع مطابقة صدق عليها أنها دلالة اللفظ على جزءِ الموضوع له أو لازمه، وإذا أطلق على الشعاع تضمناً صدق عليها أنها دلالة اللفظ على لازم ما وضع له، وإذا أطلقت عليه التزاماً صدق عليها أنها دلالة اللفظ على جزء ما وضع له، وحينئذٍ ينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاث بالآخرين.
  قلنا: إن قيد الحيثية مأخوذ في تعريف الأمور التي تختلف باعتبار الإضافات، حتَّى أن المطابقة هي الدلالة على تمام ما وضع له من حيث أنه موضوع له، والتضمن الدلالة على جزءِ ما وضع له من
(١) وذلك لأن اللفظ مطابق وموافق لتمام ما وضع له، من قولهم: طابق النعل النعل، إذا توافقا. تمت من حاشية الأصل.
(٢) وذلك لأن اللفظ لا يدل على كل أمر خارج عن معناه الموضوع له بل على الخارج اللازم له. تمت.