الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  وربما احتجت الحنفية: بأنه قد حصل بسبب تلك الزيادة رفع حكم شرعي، وهو عدم وجوبها؛ لأن الأمر بالمزيد عليه، قد كان اقتضى أن الزيادة غير واجبة فحين أمر بها ارتفع هذا لحكم بوجوبها.
  قلنا: لا نسلم أن عدم وجوب تلك الزيادة قبل الأمر بها حكم شرعي بل حكم عقلي، إذ الأصل البراءة، فالأمر بالزيادة لم ترفع حكماً شرعياً بل عقلياً، وذلك ليس بنسخ، (لكن) بعد معرفة أنه إن بينت انتهاء حكم شرعي إلخ.
  (يتفرع على ذلك صور) هل فيها بيان انتهاء الحكم الشرعي فيكون نسخاً، أو الحكم العقلي فلا يكون كذلك:
  (منها: زيادة عضو على أعضاء الطهارة) المعروفة، (وليس) زيادة ذلك العضو عندنا (بنسخ) لأنه رفع مباح الأصل وهو معلوم بالعقل، وقيل بل نسخ لأن الأعضاء دونه كانت مجزية ولم تبق الآن مُجزية، والإجزاء حكم شرعي، وقد ارتفع.
  قلنا: الإجزاء بدونه تدل على الامتثال بفعله، وعدم توفقه على شرط آخر، أما الامتثال بفعله فلم يرتفع، وأما عدم توقفه على شرط آخر وإن ارتفع فليس حكماً شرعياً بل هو مستند إلى حكم البراءة الأصلية.
  (و) منها: (زيادة التغريب في حد الزنا) الثابت بقوله # المروي في الصحيحين: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»، (و) زيادة (عشرين في حد القذف، وليست بنسخ وفاقاً لأبي الحسين، وخلافاً للحنفية) فيهما فقالوا إنهما نسخ، (و) خلافاً (لابن الحاجب في التغريب) فقال هو نسخ.
  لنا: أن الزيادتين لم ترفعا وجوب الجلد والثمانين وإنما يرفعان نفي وجوب ما زاد عليهما، وذلك معلوم بالعقل.
  قالت الحنفية: بل الزيادة رفعت بكون المائة والثمانين كمال الجلد.
  قلنا: تعليل الشيء بنفسه لأن معنى كونهما كمال الجلد أنه لا يجب ضم شيء إليهما، ومعنى كونهما بعض الجلد: أنه يجب ضم شيء إليهما، ومعنى كونهما بعض الحد: أنه يجب ضم شيء غيرهما إليهما، فقولهم: إنها نسخ لأنها صيرت المائة والثمانين بعض الحد بمنزلة قولهم: إنها نسخ لا زيادة.